أقلياتتقارير وتحقيقات

أيزيديون في ألمانيا يطالبون الحكومة بعدم ترحيلهم

15 يناير 2024

“منذ وصولي إلى هنا، لم أستسلم لحظة واحدة، حاولت دائماً تعليم نفسي، أكملت دراسة اللغة حتى مستوى C1 إلى جانب العمل المستمر، ولم يتم الاعتراف بشهادة دراستي الإعدادية (Abitur) إلا كشهادة تقنية (Fachabitur) لذا فإنني أدرس الآن في مدرسة مسائية لإكمال شهادتي.حاولت أن أبقى هنا، وأن يكون لي بيت هنا.لكنهم يريدون ترحيلي” (عالية حسن من منظمة HÁWAR.help، 2023).

2023 هي السنة التي اعترف فيها البرلمان الألماني بالإجماع بالإبادة الجماعية للشعب الإيزدي في سنجار بالعراق؛ تلك الإبادة الجماعية التي استهدفت أقلية دينية على يد ما يسمى بتنظيم (داعش) في آب 2014، وكانت نقطة تحول خطيرة لجميع الشعب الإيزيدي؛ هاجم مقاتلو داعش النساء والرجال والأطفال الايزيديين أثناء وبعد الإبادة الجماعية، ونفذوا بشكل منهجي عمليات قتل جماعية، واستعبدوا النساء والأطفال، وارتكبوا العنف الجنسي، وفصلوا الأطفال عن والديهم وأجبروهم على العيش مع مقاتلي داعش أو تم بيعهم وشراؤهم كالعبيد. أجبروهم على اعتناق الإسلام ووضعوهم في وضع مصمم ليموتوا ببطء.

ولأن الهدف من هذه الأعمال كان محو هوية الإيزيديين وإبادتهم كمجتمع في نهاية المطاف، أعلن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن هذه الأعمال جرائم حرب وإبادة جماعية، ثم جاءت الحرب ضد داعش (2014-2017 في العراق)، وشملت غارات جوية على سنجار، المدينة التي كانت، إلى جانب كوجو وقنية، محور الإبادة الجماعية في العام 2014، دمرت حوالي 80% من البنية التحتية للمدينة، فاقتلعت حياة الإيزيديين في العراق من جذورها، وغادر العديد من العائلات البلاد أو باتت إلى الآن تعيش في مخيمات النازحين ومعظمها في إقليم كردستان، وبسبب عدم الاستقرار وعدم التوصل إلى حل سياسي، لا توجد حتى الآن عودة تذكر، وخاصة إلى مناطق جنوب سنجار، يضاف إلى كل ذلك أنه بعد مرور تسع سنوات على الإبادة الجماعية، تم تدمير داعش عسكرياً، ولكن ليس أيديولوجياً.

من جانب آخر، كان العام 2023 العام الذي بدأت فيه الأقاليم الفيدرالية الألمانية بترحيل العائلات الإيزيدية من ألمانيا – أي إعادتهم رغماً عنهم إلى بلادهم أو إلى البلدان التي منحتهم اللجوء في البداية.

ويعتصم الإيزيديين خارج البرلمان الألماني في برلين منذ أسابيع احتجاجاً على ذلك، وبعضهم أضرب عن الطعام دون أن يثمر ذلك عن شيء، في 20 تشرين الثاني، تم تفكيك عائلة إيزدية في بافاريا بعد إعادة الأبوين وطفلين لهما قسراً إلى العراق.

إن ترحيل العائلات الإيزيدية التي بدأت تكسب لقمة عيشها في ألمانيا ليس خياراً سياسياً مسؤولاً، بل علامة على التناقض، حيث اعترف البوندستاغ باضطهاد الإيزيديين في العراق وشهدت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك المحنة المستمرة للإيزيديين خلال زيارتها في آذار إلى سنجار، بدلاً من ترحيل أفراد مثل عالية حسن، الذين يتحدثون الألمانية وخضعوا لتدريب مكثف للعمل، يمكن لألمانيا أن تقوم بعمل أفضل بكثير من خلال اتخاذ موقف دبلوماسي نشط والضغط من أجل التوصل إلى حل سياسي يسمح للإيزيديين بالعودة بأمان وطواعية وبكرامة إلى العراق.

الحقيقة الأولى: تعترف ألمانيا باضطهادهم، لكنها ترحلهم

من مجتمع سكاني يقدر بنحو 700 ألف قبل العام 2014، غادرت أعداد كبيرة من الإيزيديين العراق، خاصة أثناء وبعد مجزرة نينوى. خلال هذه الفترة، تقدم 65749 إيزيدياً من العراق بطلب اللجوء في ألمانيا؛ البلد الذي يحتضن الآن ما يصل إلى 200 ألف إيزيدي، ما يجعل منهم أكبر مجتمع إيزيدي خارج العراق على مستوى العالم.

تختلف معاملة ألمانيا للاجئين الإيزيديين من إقليم اتحادي إلى آخر. على سبيل المثال، قدم إقليم بادن-فورتمبيرغ برنامجاً إنسانياً لاستقبال اللاجئين في العام 2014، مع الأخذ باحتياجات النساء والأطفال الإيزيديين، الذين تعرض الكثير منهم للاغتصاب والاختطاف والتزويج القسري والاستعباد الجنسي على أيدي داعش (IOM 2023، ص5)، واعترف البوندستاغ الألماني في قراره الصادر في 18 كانون الأول 2023، بأن الإبادة الجماعية ضد الإيزيديين لا تزال قائمة في كل مكان في العراق، ولا يزال أكثر من 2700 إيزيدي في عداد المفقودين، ولا يزال يتم العثور على مقابر جماعية

إضافة إلى ذلك يعيش حوالي 300 ألف إيزيدي حالياً في مخيمات النازحين في إقليم كوردستان العراق أو وسط العراق أو سوريا دون أي احتمال يلوح في الأفق للعودة بأمان إلى مناطقهم، إن العودة الآمنة احتمال بعيد بسبب الوضع الأمني غير المستقر للغاية الذي لا يزال سائداً في سنجار.

وقالت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك خلال زيارتها إلى سنجار: “إن سنجار في شمال العراق، هي الموطن الأصلي للإيزيديين، ولكن يتضح هنا لماذا لا يزال الكثير من الناس غير قادرين على العودة، حتى بعد مرور تسع سنوات على الإبادة الجماعية التي ارتكبها داعش. لقد دمرت ديارهم”.

لكن مع ذلك تم منذ تشرين الأول 2023، الكشف عن حالات ترحيل للإيزيديين. فقد تم ترحيل ما لا يقل عن 135 من الإيزيديين وغيرهم من الطوائف إلى العراق هذا العام، بعد اتفاق غير رسمي بين الحكومتين الألمانية والعراقية لإعادة الأشخاص إلى العراق. في العام 2022، قبلت ألمانيا طلبات لجوء أقل بكثير من السابق، على سبيل المثال، قبلت 48.6% من طلبات لجوء الإيزديين العراقيين. وذكر موقع Pro Asyl أن ما بين 5000 و10000 إيزدي معرضون حالياً لخطر الترحيل.

النتائج التالية تم الحصول عليها من لجنة حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية:

على العكس من الفترة (2014 – 2017)، قال ممثل وزارة الداخلية الاتحادية إن الإيزيديين كمجموعة لم يعودوا مضطهدين في العراق. لكن ممثل وزارة الخارجية الفيدرالية الألمانية قال إن هذا التقييم لا يمكن تطبيقه إلا على نطاق محدود على سنجار ودهوك في شمال العراق، كان ينبغي ترحيل طالبي اللجوء إلى بغداد فقط (16 تشرين الثاني 2023).

لكن ليس الافتراض بأن بغداد التي لم يعيش فيها الإيزيديون بشكل عام من قبل (باستثناء سنجار) آمنة، ولا الافتراض بأن اضطهاد الإيزديين كمجتمع قد توقف صحيح.

الحقيقة الثانية: العراق ليس آمناً للإيزديين

الإيزديون ليسوا بأمان في العراق، ففي قضاء سنجار، حيث عاش معظم الإيزيديون قبل 2014، يواجه الناس اليوم وضعاً لم يتغير في كثير من النواحي منذ الفظائع التي ارتكبها داعش في المنطقة حتى بعد هزيمة داعش الرسمية في كانون الأول 2017، سلط السياسيون المحليون الضوء على نقص الخدمات وإعادة الإعمار والعدالة.

الوضع في القسم الأغلب من سنجار يتسم بالخوف وانعدام الثقة والتوتر المستمر، خاصة بين الإيزيديين والسكان العرب المتهمين بالانتماء إلى داعش، الإشكالية الكبرى تتمثل في أنه لم يكن هناك سوى القليل من الملاحقات القضائية لفظائع داعش، في حين يقول كثير من الإيزديين إن المحاكم العامة تسمح للجناة بمواصلة العيش في المنطقة بدون أن يحاكموا:

نحن نعلم أن بعض الذين عادوا كانوا مع داعش، كانوا يدعمون داعش في غزو المنطقة واختطاف نسائنا، لذا فإن أحد الأسباب التي تجعلنا لا نثق بهؤلاء الأشخاص مرة أخرى هو أننا نعرف أنهم كانوا هنا، وهم يعرفون ذلك. نطلب منهم فقط (القبائل) أن يزودونا بأسماء من ارتبطوا بداعش أو شاركوا فيما حدث للإيزيديين، لكن لا أحد يساعدنا (مقابلة، دهوك، 24 كانون الثاني 2023).

الأشخاص الذين تمت مقابلتهم ذكروا أن الإيزيديين الذين يرفعون قضايا في المحكمة غالباً ما يتعرضون للتهديد ويجبرون على سحب دعاواهم، وقد تزايدت هذه الممارسة مؤخراً، إضافة إلى ذلك، لا تزال بقايا أيديولوجيا داعش، الإسلاموية والطائفية القوية التي تستهدف وتضطهد الإيزيديين، قائمة بعد هزيمة داعش الرسمية، استمرت الهجمات الانتحارية والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة ضد الأهداف العسكرية والمدنيين بكثافة متفاوتة، وبدأ تنظيم داعش تطبيق اللامركزية على نفسه، ويبدو أن داعش قد نظم نفسه في الأسابيع الأخيرة في شرق سوريا على الحدود العراقية.

الوضع الأمني في سنجار تحت السيطرة لمنع المزيد من الهجمات ولأن مختلف الأطراف العسكرية والسياسية تريد منع عودة الإيزيديين، هناك تنافس كبير للسيطرة على سنجار لأسباب جيوستراتيجية واقتصادية، وأشار الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إلى اغتيال قادة محليين – وخاصة الإيزيديين – وغارات جوية تركية متكررة على المنطقة، لا يتم الكشف عنها إلى حد كبير في وسائل الإعلام الدولية.

تمتلك تركيا قاعدة عسكرية كبيرة بالقرب من سنجار؛ وتحظى المنطقة أيضاً باهتمام الجماعات المسلحة التي تحظى بأنواع الدعم الأجنبي، إلى جانب أميركا والفصائل الموالية لإيران، حيث أن أحد الطرق الرئيسة يربط سنجار بسوريا في الغرب وإيران في الشرق.

يعرف هذا الطريق بأنه طريق رئيس لتهريب (المخدرات والاتجار بالبشر والأسلحة والذخائر)، يوجد الآن القليل من الحرب المفتوحة، رغم أن الأشخاص الذين تحدثنا إليهم أفادوا بأن 10000 شخص نزحوا حديثاً بسبب القتال في العام الماضي وحده، وغالباً ما تكون المنطقة مغلقة في وجه الناس خوفاً من تجدد الاشتباكات، ومن بين العدد الكبير من النازحين، يواجه الكثيرون شتاءً آخر في المخيمات في إقليم كوردستان ولا يمكنهم العودة، لا توجد ضمانات أمنية لسكان سنجار (مقابلات، دهوك، كانون الأول 2023).

الحقيقة الثالثة: خلق ضغط نفسي والترحيل إلى بغداد تهديد للحياة

إلى جانب استمرار أعمال فتح المقابر الجماعية، لا يزال حوالي 2700 مختطف في عداد المفقودين (مقابلات، دهوك، تموز 2017)، والعمل مستمر لإعادة المختطفين، الصدمة هي النتيجة طويلة المدى التي على الإيزديين أن يعايشوها بشكل يومي، وبحسب عضو مجلس إدارة الجمعية الثقافية للإيزيديين في كولون، فيصل حمود بشار، فإن الإيزيديين وجدوا الأمان والوطن الثاني في ألمانيا (مقابلة 12 نيسان 2023)، وترحيلهم إلى العراق سيضعهم تحت ضغط نفسي من جديد، ويتفق الدكتور كمال سيدو مع فيصل حمود بشار على أنه لا ينبغي ترحيل الإيزديين الذين قدموا إلى ألمانيا منذ سنوات واستقروا بها إلى العراق، نظراً للتهديدات التي يواجهها مجتمعهم.

الحلول: يمكن لألمانيا أن تتعامل معها دبلوماسياً

يمكن لألمانيا، بل ينبغي أن تنسق بنشاط من خلال استخدام علاقاتها الدبلوماسية مع العراق وتركيا للعمل على تحسين الوضع الأمني للسكان الإيزديين في العراق – بغض النظر عن مدى الإهمال الذي تواجهه الحكومة الاتحادية.

فمن ناحية، تشمل الحلول العمل على اتفاقية سنجار معدلة تضم الإيزيديين عند التنفيذ واتخاذ القرار وتلبي مطالب الشعب الإيزيدي، ويجب تحسين الاتفاقية بما يدعم حياة الإيزيديين المتبقين في العراق، كقتل المدنيين جراء الهجمات العسكرية التركية، ومن ناحية أخرى، من الضروري توفير الملاذ الآمن لأولئك الذين أعادوا بناء حياتهم بالفعل في ألمانيا. تحتاج ألمانيا إلى مهاجرين مثل عالية حسن، الذين يعملون ويبحثون عن التعليم، وترحيلهم أو ترحيل أفراد أسرهم ليس هو الحل. على الحكومة الألمانية فرض حظر شامل على ترحيل الرجال والنساء والأطفال الإيزديين، واتخاذ حماية حقوق الإنسان أولوية وأن تركز ثقلها على المفاوضات الدبلوماسية.

*تقرير: كارينا يلدرم شولزينغ، عضو مركز بون للتحقيق في الصراعات (BICC)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى