أم أنور تنير الديوانية: استخدام السماد العضوي المعامل بطرق حقلية بسيطة يحقق انتاجية عالية ووفرة مالية

9 ديسمبر 2023
ليث العبيدي _ بغداد
ام انور احد المزارعات التي تسكن قرية شمال شرق مدينة الديوانية ، استخدمت السماد الحيواني المتمثل بمخلفات الماشية والدواجن في عملية التسميد بشكل مختلفة عن باقي المزارعون وبطرق حقلية بسيطة حقق انتاجية عالية ووفرة مالية، بعد تحسن حالتها المادية عملت على التبرع بفتح بيتها كمدرسة لمحو الامية “تعليم الكبار”.
في ظل تدهور الواقع الزراعي في العراق عموماً وفي محافظة الديوانية خصوصاً بسبب عدة عوامل اهمها شح المياه الذي زاد من تدهور الاراضي الزراعية التي بدا واضحا تأثيرها على الفلاح، اضافة الى عوامل اخرى مثل منافسة السوق المحلية الخاصة بالمنتجات اليومية كالخضروات او المحاصيل الاستراتيجية مثل الحنطة والشعير وغيرها، كما اثر ارتفاع الاسمدة الكيميائية المصنعة على نسب الارباح التي يجنيها الفلاح في نهاية الموسم.
المزارعة ام انور (نضال نبوش خزعل) التي تسكن قرية آل خشم في اطراف قضاء عفك و الذي يبعد 25كم شمال شرق مركز مدينة الديوانية , استخدمت السماد الحيواني المتمثل بمخلفات الماشية والدواجن في عملية التسميد بشكل مختلفة عن باقي المزارعون او عن الطريقة التقليدية المعتادة , حيث تعامل السماد العضوي بطريقة بسيطة داخل الحقل قبل ان يتم استخدامه في تسميد النباتات مما أعطى نتائج جيدة وملحوظة خلال موسم الزراعة.

وتقول ام انور عملت على تطوير الفكرة بسبب غلاء اسعار السماد الكيمائي كما وجدت بعد التجربة الحصول على انتاج عالي وزادت مقاومة التربة حتى بعد انتهاء موسم الزراعة وهذا ما شجعني بالاعتماد على هذا السماد في المواسم اللاحقة وقمت بزيادة الكميات لتغطية اكبر مساحة للزراعة.
كما سبب التدهور البيئي الناتج من شح المياه وعدم استدامة الاراضي الزراعية الى خسارة مساحات كبيرة منها وخروجها عن الزراعة في محافظة الديوانية التي تعتبر ذات هوية زراعية على مستوى العراق مما ادى الى هجرة آلاف المزارعين وهجر مناطق سكناهم خصوصاً في قرى قضاء عفك وآلبدير حسب مدير مكتب المفوضية العليا لحقوق الانسان في الديوانية.
كشفت المنظمة الدولية للهجرة ، مكتب السكان واللاجئين والهجرة ، ضمن دراسة اعدتها عن واقع الهجرة في مدن جنوب العراق (2021)، “التدهور البيئي على مدى السنوات العشرة الماضية أدى إلى إلحاق أضرار بالغة في قطاع الزراعة، حيث سبب بفقدان سبيل العيش الكافية والمستدامة خصوصاً في المناطق الريفية حيث كان يعتمد على القطاع الزراعي كمصدر رئيس لتوفير فرص العمل, ادى ذلك الى هجرة سكان الارياف الى المدن بحث عن فرص عمل أخرى”.
تضاربت الآراء حول مساحة الأراضي الزراعية في العراق بسبب فقدان أدلة البيانات والمعلومات الأساسية لرسم أي سياسة عامة لعدم وجود إحصاء سكاني عام على مستوى العراق، ومنذ آخر تعداد اجري عام 1997، لخمس عشرة محافظة فقط ما عدا إقليم كوردستان ، إذ تُشير المصادر إلى إنَّ 30 مليون دونم من مجموع مساحة الأراضي العراقية البالغة 177،770 مليون دونم، أي الأراضي العراقية الصالحة للزراعة تشكّل قرابة 17% من مساحة العراق، وهي نسبة جيدة مقارنة بكثير من الدولة في المنطقة، هذا بحسب مركز البيان للدراسات والتخطيط.

انتشار الفكرة بين مزارعين القرية
تعتبر ام انور احدى الفلاحات الماهرات التي قامت باستثمار أرضها الزراعية بشكل جيد رغم تحديات تغير المناخ مثل ارتفاع درجات الحرارة وشح المياه، حيث اعتمدت على مياه الآبار في عملية السقي على الرغم من وجود قناة مياه (مشروع الثريمة) قريبة الان انها لا تستخدمها في السقي الا ما ندر وحسب الوفرة المائية حيث يمنع استخدام المياه بسبب النقص الحاد في كميات المياه في القناة لذا توفر هذه المياه لغرض ايصالها للمنازل عبر محطات الاسالة.
عملت ام انور على شق حفرة كبيرة بأحد جوانب ارضها الزراعية بطول 10 متر وعرض 6 متر وبعمق 7 متر تقريباً و القت بالسماد الحيواني المتمثل بمخلفات الاغنام والماعز في الحفرة ثم ملئتها بالمياه حتى تغمر بشكل كامل ، كما وتقوم بشكل يومي بإزالة الطبقة السطحية بما يطفو من بذور وفتات النباتات غير المهضومة والمخلفات الاخرى، حتى لا تنبت مره اخرى بعد تسميد النباتات و كمعالجة قبل التسميد.
تقول ام انور، “ان الارض التي اقوم بتسميدها باستخدام السماد الحيواني في الموسم تبقى تحافظ على السماد للموسم القادم حيث لا تستهلك سوى القليل من السماد مرة اخرى وتبقى الارض هشة وجيدة للإنبات حيث تجد الجذور تربة مناسبة للاختراق ، كما يساعد في تهوية التربة”.

بعد ان تتم عملية غمر المخلفات العضوية بالمياه (التخمر) وجفاف الحفرة بعد مرور 7- 8 ايام تعمل على نقلها ونشرها خارج الحفرة لتجف تحت اشعة الشمس وبهذا تكون قد جهزت للتسميد , من ثم تسميد النباتات بوضعها في السواقي قبل الري بالمياه او تنشر على التربه مباشرة لتغطي جميع المساحة , تكفي العملية الواحدة مساحة 7 دونم في حال النباتات المتمثلة بالخضار كالخيار والباذنجان والطماطة واللوبيا والباميا والبطيخ والرقي.
اما في نباتات الجت والبرسيم فتكفي الكمية المحضرة لمساحة 4 دونم بعد ان يتم نشرها على جميع مساحة الارض قبل السقي, كما استخدمت هذا السماد عند زراعة نبات الخس حيث حقق زيادة كبيره في الانتاجية. وتقوم ام انور بتسميد الارض مره قبل عملية الانبات ومره ثانية بعد ان يصل طول النبات 7 سم تقريباً.
وحسب ما صرح به مدير زراعة الديوانية صفاء محمد علي يتميز السماد الحيواني المجهز بكونه ذات عناصر قابلة للامتصاص وبكفاءة تصل وتتجاوز الاسمدة الكيماوية كما تسهم في زيادة هشاشة التربة وزيادة الاستفادة منها بالإضافة الى سهولة انتاجها.
كما تستخدم ام انور مخلفات الدواجن في احيان اخرى حيث تتم معاملتها هي الاخرى قبل استخدامها ,وتقوم بوضعها في اكياس الطحين الفارغة او اكياس من القماش وتغلقها جيداً ثم تقوم بتنقيعها بشكل يومي ولمدة لاتزيد على اربعة ايام وذلك للتخلص من اليوريا خوفاً من تأثيرها على النباتات , كما تساهم هذه العملية بإطلاق البكتريا اللاهوائية .
تنتج ام انور مختلف انواع الخضروات اضافة الى الرقي والبطيخ والخس وتهيئ لهذا الموسم بزراعة الخضروات في البيوت البلاستكية وباستخدام طرق مكننة حديثة, اضاف مدير زراعة الديوانية “أن الثمار الناتجة من التربة المسمدة بالسماد الحيواني تعتبر آمنه ولا تسبب اي امراض وبالأخص طويلة الامد كما في الثمار الناتجة من التربة المعاملة بالسماد الكيميائي و تكون اسعارها مرتفعة اضعاف الثمار المعاملة بالسماد الصناعي عالمياً”
حقق استخدام هذه الطريقة زيادة في انتاج الخضروات والرقي والبطيخ بشكل عالي , مما شجع المزارعين في القرية على تقليد الفكرة المستخدمة , حيث استخدم اكثر من مزارع في القرية والقرى المجاورة نفس الفكرة وحقق نتائج جيدة في الانتاجية وتوفير الاموال هذا ما اكده المزارعين.
تحمل الأسمدة الحاوية بصورة كلية أو جزئية على المواد العضوية المغذية للتربة، حيث تعد المكون الرئيس الواجب توفره في التربة لضمان ديمومة عطاءها للنبات في جميع مراحل نمو النبات، وتتصف التربة بنسجه خفيفة عالية النفاية للماء أي لاتحتفظ بالماء وهذا يسبب فقدان في العناصر الغذائية، لذلك تحتاج النباتات الى العناصر لسد النقص الحاصل وهذا ما توفره الاسمدة العضوية، في الوقت نفسه لا تشكل أي خطورة على البيئة مستقبلا مقارنه مع الاسمدة الكيميائية.
ويذكر ان طريقة عملية تخمر الأسمدة العضوية (الحيوانية) يوفر النيتروجين والعناصر الضرورية للنبات , كما وتوفر الاسمدة العضوية العديد من العناصر المغذية الضرورية للنبات والفسفور والبوتاسيوم والكالسيوم وعناصر اخرى.

ان اضافة السماد العضوي للتربه يزيد من تهويتها ويعمل علي تدفئتها خلال فصل الشتاء و تزداد الارتباطات المعدنية ويتكون الدبال خلال عملية تحلل الأسمدة العضوية في التربة وهذه الزيادة من شأنها تحسين الخصائص الفيزيائية والكيمائية لطبقة التربة المحروثة أو المحضرة.
وتعمل مديرية زراعة الديوانية على تشجيع المزارعين خاصة اصحاب الحيازة الصغيرة من الاراضي بالاعتماد على استخدام السماد الحيواني لما يحققه من انتاجية عالية في المحاصيل ويحافظ على صحة التربة بشكل مستمر كما تكون الثمار الناضجة طبيعية ولا تسبب مشاكل للمستهلكين.
نتيجة للمساهمة النسبية للقطاع الزراعي ينظر النظام الاقتصادي العراقي إلى القطاع الزراعي كقطاع ثانوي، هذا ما سبب تحديات خارجية كالتطور العلمي والتكنولوجي ، وتحديات داخلية تتمثل في عدم الاستغلال الأمثل للموارد والطاقات الزراعية، كذلك عدم الاستقرار الأمني والسياسي، هذا بحسب مركز البيان للدراسات والتخطيط.
شكل إسهام القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي قيمة تقدَّر بـ 5% ما بعد عام 2003 على وَفْق تقديرات عام 2010، و في عام 2013 كانت المساهمة النسبية للناتج المحلي الإجمالي لقطاع الزراعة والغابات والصيد 9. 3%، ممَّا يتضح المساهمة الضئيلة للقطاع الزراعي العراقي في الناتج المحلي ألإجمالي حيث تخلُّف التنمية الزراعية في العراق، بحسب مركز البيان للدراسات والتخطيط.
السماد الحيواني يوفر المال
تعيل ام انور اسرتها المتكون من 7 افراد حيث الأبوين و5 أبناء وتعتبر الزراعة المصدر الرئيس لكسب الرزق لدى العائلة حيث تقوم ببيع المنتجات الزراعية الى الاسواق المحلية اضافة الى منتجات الموشي والأبقار والطيور الداجنة التي تقوم بتربيتها, كما تقوم بحرث الأرض بنفسها عن طريق قيادة الماكنة الزراعية (التركتر) كذلك تحسن قيادة السيارات الاخرى.
وتقول ام انور اساعد بعملية حرث الارض وتهيئتها ومن ثم تسميدها قبل عملية الزراعة كما استخدم المكننة الحديثة كناثرة البذور, واقوم بعد الزراعة بسقي الارض ومراقبتها بشكل يومي حتى تنبت وصولاً الى مرحلة جني الثمار, كما اقوم بقطع نبات الجت والبرسيم بشكل يومي وتقديمه للأبقار والأغنام , و اربي ما يقارب 60 طير الداجن (الدجاج والبط).
حقق السماد الحيواني توفير مالي مقارنة بشراء السماد الكيميائي المصنع والذي وصلت اسعاره الى 130 الف دينارعراقي للطن مقارنة بالسماد العضوي الذي تحصل عليها ام انور من الحيوانات التي تقوم بتربيتها او من اقاربها، اما سماد الدواجن فيتم شراءه بثمن قليل وتستخدمة ايضاً في تسميد الاراضي.
كما حققت ام انور انتاجية عالية باستخدامها السماد العضوي الحيواني المعامل بطريقة التخمير في محاصيل الخضروات المتمثلة بالطماطة والخيار والباذنجان واللوبيا والباميا، كذلك الخس والبطيخ، وتذكر ان انتاج الرقي حقق كميات كبيرة غير مسبوقة
كما اكدت انها من المزارعين الاوائل الذين قاموا بزراعة الرقي في قضاء عفك منذ اكثر من 10 سنوات، بعد ان عززت انتاجها باستخدام هذه طريقة ووسعت مساحة الارض المستخدمة الى اكثر من 10 دونم لزراعة الرقي في بعض المواسم وتتجاوز انتاجها 15 طن من الرقي يومياً، كما نقلت تجربة زراعة الرقي الى اكثر من 10 مزراعين في وقتها.
ويقول ابو سجاد احد المزارعين في القرية انه بعد ما لاحظت زيادة في إنبات المحاصيل التي زرعت وزيادة الانتاج لدى ام انور، “قمت بتطبيق نفس الفكرة بعد مساعدة ام انور في عملية تحضير السماد العضوي قبل استخدامة”، وحقق لدي انتاج جيد في زراعة الجت والبرسيم كما وفرت مبالغ شراء الاسمدة الكيماوية ألصناعية، اظافة الى ذلك ان السماد العضوي يدوم للموسم القادم ويقوي التربه بشكل مستمر وهذا يقلل الجهد والأموال ويحقق انتاج جيد في الموسم اللاحق.
ان زيادة الانتاج الزراعي لدى ام انور حقق وفرة مالية وانتعاش تدريجي في الحالة الاجتماعية مما دفعها الى تطوير المكننه الزراعية واستخدام البيوت البلاستيكية للموسم القادم، كما ساهمة مديرية زراعة الديوانية في دعم ام انور بتوفير بيتين زجاجيين للزراعة بطول 50 متر, وتقوم ام انور بتجهيزهم استعداداً للموسم الزراعي القادم.
عملت ام انور بعد تحسن حالتها المادية الى التبرع بفتح بيتها كمدرسة لمحو الامية “تعليم الكبار” بالتنسيق مع قسم الارشاد الزراعي ومديرية التربية في الديوانية – قسم محو الامية حيث تضم 75 طالبة للمرحلتين وهذا ما عادة بمنفعة لتعليم نساء القرية والقرى المجاورة، اضافة الى ذلك عملت ورشة خياطة للنساء المتعلمات طوال فترة الدراسة.
وتقول ام محمد احد النساء المستفيدات من برنامج تعليم الكبار (محو الامية) ان ام انور قدمت ما لم يقوم به اي شخص او حتى جهة حكومية من قبل حيث فتحت بيتها لاستقبال نساء القرى الذين لم يتمكن من اخذ فرصة التعليم ولكونها معروفة لدى القرية وقرب المسافة لبعضهن, هذا ما زاد ثقة الأهالي لإرسال نسائهم للتعلم , حيث وصل عدد النساء المتعلمات الى 75 امرأة للمرحلتين الاساسية والتكميلية وعززت الفائدة للنساء بتعليمهن على الخياطة من خلال ورشة الخياطة.

الاضرار الجانبية
على الرغم من فوائد استخدام السماد الحيواني ثمة مشاكل ظهرت خلال العمل علی المبادرة.
تقول ام انور، “ثمة مشاكل ظهرت حيث يمكن ان تسببه المواد القادمة مع السماد الحيواني مثل الحبوب وبقايا النباتات كالنمو الجديد لبعض حبوب النباتات المنقولة بعد ان تتم عملية التسميد اذا ما فصلت بصور صحيحة أثناء عملية التخمي، كذلك يسبب السماد الحيواني الخاص بمخلفات الدواجن موت المزروعات اذا لم يتم غسله بصورة جيدة حيث يتم ازالة اليوريا وغيرها من المواد التي تضر بالنبات.”
وحسب كريمة الطائي رئيس منظمة الواحة الخضراء ان هذا النوع من التسميد يحتاج الى جهد من قبل الفلاح في عملية التحضير , كذلك في عملية التسميد لكونه يعامل باليد دون استخدام المكائن كما يتلاءم فقط مع زراعة المساحات الصغيرة خصوصاً مع الخضروات والرقي والبطيخ ويتلاءم فقط مع زراعة المساحات الصغيرة و يصعب استخدامه في زراعة المحاصيل الإستراتيجية مثل الحنطة والشعير بسبب المساحات الشاسعة.
كما تواجه ام انور تحديات مناخية تؤثر على كمية ونوعية الخضروات الناتجة مثل الباذنجان والباميا واللوبيا المتمثلة بارتفاع درجات الحرارة وشح المياه العذبة وملوحة مياه الآبار التي تؤثر على النباتات كذلك الفطريات والأمراض التي تصيب النباتات يعتبر تحدي آخر خصوصاً اذا كان الفلاح قليل الخبرة.
تطمح ام انور لاستخدام الحداثة والتطور في المجال الزراعي لمواجهة الظروف البيئية القاسية، حيث تود ان تحقق وفرة مالية منها وتوسع الاراضي الزراعية كذلك زيادة اعداد المواشي والدواجن، كما تعزم على استخدام انواع جديدة من النباتات المنتجة التي يمكن ان تنجح في زراعتها, وتؤكد لا تدخر جهداً في مساعدة المزارعين في المنطقة في نقل خبرتها لمساعدتهم في زيادة انتاجهم الزراعي.
*تم إنتاج هذا التقرير ضمن اطار مشروع أصواتنا المنفذ من قبل منظمة انترنيوز.