المرأة والمجتمع المدنيتقارير وتحقيقاتطب وصحة

ضرورة معالجة الصحة الإنجابية للنساء العراقيات النازحات

29 يوليو 2023

تعاني النساء والفتيات النازحات في مناطق النزاع حول العالم من مشاكل لا يمكن تصور أهوالها لعل أبرزها تلك التي تؤثر على صحتهن الإنجابية. وغالبًا ما تكون هذه المشاكل نتيجة مباشرة لفقدان الحماية ومحدودية الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم وغياب سبل العيش الكريم بالإضافة إلى غياب المساعدة المجتمعية. وهذه التحديات مجتمعة تجعل النساء والفتيات النازحات أكثر عرضة للعنف الجنسي وتضعهن في مواجهة مخاطر متزايدة من الاستغلال. ولا تخلو البلدان التي مزقتها الحروب في المنطقة، بما في ذلك العراق من هذه الظاهرة.



المأزق الحالي

حتى يومنا هذا، لا تزال النساء والفتيات في المنطقة المتضررة من النزوح يعانين من نقص في الحصول على الخدمات الإنجابية. ولم تجتذب هذه القضية سوى اهتمام محدود، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الصحة الجنسية والإنجابية موضوع يصعب التطرق إليه.

وتتجلى الدينامية نفسها في النهج الأكاديمي المتبع تجاه هذه المسألة. فعلى الرغم من المصائب الكثيرة التي واجهتها المنطقة في السنوات الماضية، بما في ذلك صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق عام 2014، لم يتم إجراء سوى القليل من الأبحاث حول ما تواجهه النساء والفتيات النازحات اللواتي يحتجن إلى خدمات الصحة الإنجابية. وزاد ذلك من صعوبة فهم إلى أي مدى يتم توفير الخدمات بشكل آمن ومتسق.

لكن دراسة واحدة أجريت في العام 2014، ركزت على احتياجات الصحة الإنجابية للنساء المتضررات من النزاع في المنطقة وخاصة السوريات النازحات في لبنان. ووجدت هذه الدراسة أن هناك حاجة إلى القيام بعمل إضافي عند دمج خدمات الصحة العقلية والصحة الإنجابية للنساء النازحات. وفي حين أشارت الدراسة إلى إتاحة بعض الخدمات للناجيات من العنف، سلطت الضوء على الحاجة إلى تعزيز الأحكام والوعي بالمرافق القائمة بالإضافة إلى معالجة الحواجز التي تحول دون وصول النازحات إليها.

ولا ينبغي التقليل من عواقب التوافر المحدود لخدمات الرعاية الصحية الإنجابية الموثوقة على المجتمعات النازحة إذ يمكن أن يؤدي إلى معدلات وفيات مرتفعة ويعرض هذه المجتمعات للأمراض المنقولة جنسيا بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية وعمليات الإجهاض غير الآمنة. كما تفتقر النساء والفتيات الحوامل الهاربات من النزاع إلى الوصول إلى خدمات الولادة الآمنة والدعم المنقذ للحياة في مجال التوليد.

ولمعالجة هذه القضايا، أتحدت منظمات الأمم المتحدة والجمعيات الأكاديمية والبحثية وكذلك المنظمات الحكومية وغير الحكومية في عام 1996 لتحسين المبادئ التوجيهية بشأن الصحة الإنجابية في سياقات حالات الطوارئ. ومن أجل دمج الرعاية الصحية الإنجابية في البرامج الإنسانية تم تقديم مجموعة الخدمات المبدئية الدنيا. وتتكون الخدمات المبدئية الدنيا من مجموعة مختارة من أنشطة الصحة الإنجابية المبدئية التي سيتم تقديمها في بداية النزاعات أو الكوارث الطبيعية، وتتضمن الاعتراف بالمنظمة والفرد كميسر مسؤول عن إدارة الخدمات وتنفيذها، وإحباط العنف الجنسي وتقديم الدعم السريري للناجيات والاستعداد لتقديم خدمات الصحة الإنجابية الكاملة. وحين يستقر الوضع، تُدمج هذه التدابير الطارئة مع الرعاية الصحية العادية.



التحديات على أرض الواقع

تحدثت أسماء إبراهيم، الرئيسة المشاركة لرعاية الصدمات والصحة في مؤسسة جيان لحقوق الإنسان، التي تعمل بشكل وثيق مع النساء والفتيات المتضررات من النزاع في شمال العراق. وشرحت حالة القصور في تقديم خدمات الصحة الإنجابية في البلد وأوجهها المختلفة.

وقالت في حديثها عن العوائق والتحديات التي تؤثر على توفير الخدمات: “على الرغم من أن مؤسسة جيان تعمل عن كثب مع المستفيدات لتزويد النساء والفتيات النازحات بخدمات الصحة الإنجابية، مثل علاج اكتئاب ما بعد الولادة والقلق وربما توفير أدوية الآلام أو ما يتعلق بها، هناك عدد من الحواجز والتحديات التي تعيق الوصول إلى الخدمات الإنجابية، ومن بينها وصمة العار والمحرمات”. وتابعت: “على سبيل المثال، تشعر بعض النساء والفتيات النازحات اللواتي نعمل معهن بالخجل عندما يحملن. هن يعتبرن أنفسهن مريضات عندما يحملن. ويتحدث البعض منهن عن الحمل وكأنه مرض”. وأكدت إبراهيم أن مكافحة وصمة العار والمحرمات ستتطلب تدخلات تعليمية، كإقامة ورش عمل وجلسات علاج شخصية ومشاركة مجتمعية مستمرة.

وفي إشارة إلى تجارب النازحات اليزيديات اللواتي عشن في قرى شمال العراق التي استولى عليها تنظيم الدولة الإسلامية، قالت إبراهيم إن بعض النساء يلجأن في بعض المناطق إلى المعالجين التقليديين، ويحصلن على نصائح ضارة وتغذية خاطئة بدلًا من زيارة عيادات الرعاية الصحية الأولية. وأكدت إبراهيم أن النصيحة التي يقدمها المعالجون التقليديون لها تأثير مباشر على صحة النساء والفتيات النازحات اللواتي “تتعرض حياتهن وصحتهن العقلية للخطر”، مضيفة: “في ظل هذه الظروف، ستكون التدخلات التعليمية بالغة الأهمية”.

بعد سنوات من هجوم داعش، لم تنته معاناة الإيزديين

أما حيدر علي، رئيس البرامج في منظمة مدخل العراق الصحي، فأكد في معرض ذكره التحديات الأخرى التي تواجه النساء والفتيات النازحات في الحصول على خدمات الصحة الإنجابية، أن المرافق المحدودة لا تزال تشكل عقبة. وقال لأمواج.ميديا: “حالما يتم وضع البنية التحتية لخدمات الرعاية الصحية الأولية، سيصبح من الممكن تزويد النساء والفتيات بالدعم الأساسي، بما في ذلك برامج بناء القدرات التي تهدف إلى تعزيز المعرفة حول الحقوق الإنجابية وكيفية الحصول على الخدمات الإنجابية”.



نظرة إلى المستقبل

إذا ما قمنا بمقارنة الوضع الحالي في العراق بالدراسة التي أُجريت عام 2014، قبل هجوم داعش، يتبين لنا أن الوضع لا يزال على حاله في بعض المسائل. وبالنظر إلى المستقبل، هناك ثلاث خطوات يمكن أن تكون مفيدة في معالجة العقبات المستمرة.

أولًا، يتعين على الحكومة العراقية احترام الحقوق الإنجابية للسكان المتضررين من الأزمات من خلال حماية تقديم خدمات الصحة الإنجابية بدعم من المجتمع الدولي. ويجب على الهيئات المنفذة بما في ذلك المنظمات الحكومية وغير الحكومية تضمين الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية في التزاماتها وأهدافها. ويمكن القيام بذلك من خلال دمج الاحتياجات المطلوبة في سياساتها وتقييمات الاحتياجات وخطط العمل والتمويل، بالإضافة إلى تعزيز إنفاقها على لوازم الصحة الإنجابية وفي تدريب الموظفين لتقديم مساعدة نوعية. ومن المهم ألا يوفر هذا الدعم خدمات تنظيم الأسرة الأساسية فحسب، بل أن يوفر أيضًا الرعاية وخدمات التوليد في حالات الطوارئ لمراعاة العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك الاغتصاب.

ثانيًا، يتعين على الهيئات المنفذة زيادة الموارد تدريجيًا وتخصيص الوقت لتحسين شبكة المرافق الصحية.

وأخيرًا، يحتاج المانحون الذين يعملون عن كثب مع الهيئات الحكومية أيضًا إلى ضمان استمرار دمج مجموعة الخدمات المبدئية في البرامج الحالية والمستقبلية. وتتمثل إحدى الطرق الفعالة لضمان نجاح هذا الأمر في دمج مجموعة الخدمات المبدئية في عدد من القطاعات التي تستجيب لحالات الطوارئ الإنسانية لا سيما من خلال تخطيط الموقع والخدمات المجتمعية والمياه والصرف الصحي والقطاعات الصحية المختلفة.

ومع أخذ هذه التوصيات في الاعتبار، من المهم أن تقوم المنظمات غير الحكومية، عندما تواجه تدخلات وتعاون غير كافيين من الهيئات المطلوبة، بما في ذلك الكيانات الحكومية، بمناشدة الحكومات وصانعي السياسات باستمرار وبعزم للاعتراف باحتياجات الصحة الإنجابية للنساء والفتيات النازحات في حالات الأزمات ومعالجتها والتأكد من التعامل معها بشكل مناسب وشامل.

الكاتبة : زينب مهدي ، باحثة وصحفية مستقلة متخصصة في الشؤون الحكومية والتنمية والصراع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

المصدر : أمواج ،يونيو 2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى