المرأة والمجتمع المدنيتقارير وتحقيقات

“أصعب المهن”.. عراقيات في قمرة القيادة

30 يوليو 2023

منذ أكثر من 73 عاماً دخلت جوزفين سمعان حداد التاريخ كأول امرأة عراقية تحلق في سماء بغداد بطائرة من نوع “أوستر”، للقيام بالمسح الجوي واصطحاب المواطنين الراغبين في نزهة جوية فوق مدينة بغداد.

لم يكن طريق أول كابتن طائرة عراقية سهلاً، فأول معارضة لرغبتها بالتحليق في السماء جاءت من والدها، كما يقول الصحفي طه جزاع والذي التقى جوزفين سمعان أواخر ثمانينات القرن الماضي وأجرى معها حواراً تحدثت فيه عن رحلتها في عالم الطيران.

“كانت جوزفين حداد منذ طفولتها مولعة بالطائرات. ومع أن والدها كان معارضاً للفكرة إلا أنها تمكنت من إقناعه بعد أن أصرت بقوة وعناد على تحقيق حلمها لتبدأ تدريباتها في جمعية الطيران العراقية على حسابها الخاص حين كانت طالبة جامعية في كلية الحقوق”، يقول طه جزاع.

وبدأ أول طيران للنقل المدني في العراق في أواسط ثلاثينات القرن الماضي، مع تأسيس جمعية الطيران العراقية ذات النفع العام برعاية الملك غازي. وكانت الجمعية تهدف إلى نشر الوعي الجوي بين الشباب العراقي وإسناد القوة الجوية العراقية التي كانت قد أُنشئت العام 1931.

حينها، كما يقول جزاع، “تدربت جوزفين على حسابها الخاص باستخدام طائرات جمعية الطيران العراقية. وكانت الساعة الواحدة للطيران تكلفها أربعة دنانير قبل أن يتم تخفيضها إلى النصف”.

ويضيف الصحفي العراقي: “بعد أن أنهت جوزفين 72 ساعة طيران تمكنت من الحصول على إجازة الطيران المرقمة 53 في ديسمبر من العام 1949”. وكانت “تقود طائرة الأوستر للقيام بمهام المسح الجوي وكذلك عمل جولات جوية سياحية للمواطنين الراغبين للقيام بنزهة جوية فوق بغداد”.

وكما قالت جوزفين طه جزاع فإنها كانت تقود طائرة “تتسع لثلاثة ركاب فقط، ومن مهماتها أيضاً اصطحاب الأطفال المصابين بالسعال الديكي إلى ارتفاع عشرة آلاف قدم لمساعدتهم على الشفاء”.

ومن ضمن الذكريات التي كانت ترويها جوزفين للصحفي العراقي بابتسامة عريضة أنها “حلقت في يوم من الأيام فوق بناية كليتها على ارتفاع منخفض، وقد أفزعت الطلبة لكن العميد عرفها لأنها كانت تلبس جاكيتها الأحمر فقال هذه واحدة من شقاوات جوزفين الفضائية”.

قيادة الطائرات الحربية

تطلب الأمر أعواماً طويلة قبل أن تُحلق ثاني امرأة في سماء بغداد. لكن هذه المرة ضمن القوة الجوية العراقية. كان ذلك في أواخر سبعينات القرن الماضي كما تقول فائزة العزاوي أول قائدة طائرة حربية في العراق.

وتقول الكابتن فائزة العزاوي : “كنت هاوية للطيران منذ طفولتي حين كنت أرى الطائرات في السماء. وكان والدي رغم تعليمه البسيط مشجعاً لي ولرغبتي في خوض تجربة قيادة الطائرات”. أما عن أول تجربة طيران لها، فتقول: “كنت في الصف الرابع الإعدادي العام 1977 حيث دخلت دورة طيران في مؤسسة الشباب، وكانت تجربة مفرحة جداً أغرتني للسعي إلى إكمال دراستي الإعدادية والالتحاق بكلية القوة الجوية العام 1979”.

الصورة تعود الى سنة 1984 في قاعدة” خان بني سعد ” إعدادية القوة الجوية وتظهر فيها كابتن “فائزة العزاوي” وكابتن “اسماء” وفي الخلف كابتن “ايمان” وكابتن “ازهار” وهن معلمات تدريب الطلاب على الطائرات بروفو وحملن رتب “م أول طيار” بعد أن تخرجن من الكلية القوة الجوية دورة 37

في ذلك العام، ومن حسن حظها، كما تقول فائزة، “اشتركت في أول دورة بتاريخ القوة الجوية بضمنها 20 فتاة، وقد كانت تجربة فريدة من نوعها. كان رقم الدورة 37 وخلال التدريبات حلقت بطائرة (الـ29 الدولفين) النفاثة، وبعدها تحولت إلى قيادة طائرة (الـ39 الباتريوس) وهي أيضا طيارة نفاثة وجميلة جداً، وتدربنا على يد مدربين من روسيا والهند”.

لم تشعر فائزة بأي تمييز بحقها خلال التحاقها بكلية الطيران. “يعتمد الأمر على احترام المرأة لمركزها خصوصاً إذا كانت في وسط يُعتبر في العادة حِكراً على الرجال، فشخصية المرأة القوية تُجبر من هو أمامها على الاحترام، مهما كانت قوته أو رتبته العسكرية “، تقول.

أول دورة في كلية القوة الجوية دورة 37 كليه سنة 1979 ،تتكون من 20 فتاة تخرج منهن 5 طيارات والباقي مسيطرات جويات ،الصورة تعود للكابتن
فائزة جاسم العزاوي

وتضيف: “تخرجنا 5 فتيات كقائدات طائرة عام 1982 برتبة ملازم طيار، والباقي من الفتيات تخرجن كمسيطرات جويات”. بعد التخرج “دخلت مدرسة معلمي الطيران في معسكر الرشيد، ثم أصحبت مدربة طيران على طائرة البرافو ولم أشارك في أي طلعات قتالية جوية”.

توقفت رحلة فائزة العزاوي وزميلاتها في عالم الطيران الحربي عام 1990 بعد اجتياح العراق للكويت، فتقاعدت وتفرغت لحياتها الأسرية.

الكابتن فائزة العزاوي

عراقيات في قمرة القيادة
أول كابتن طيار بعد العام 2003 على متن الخطوط الجوية العراقية كانت داليا البرهان المنحدرة من مدينة الكوت والمغتربة في بريطانيا. درست إدارة الأعمال أولاً في جامعة هيرتفورد شاير، ومن ثم دفعها حبها للطيران إلى ممارسته كهواية، وتدربت في بريطانيا في أحد مراكز تدريب الهواة.

لاحقا، بدأت داليا رحلتها المهنية الفعلية عند التحاقها بأكاديمية أوكسفورد للطيران. وبعد حصولها على شهادة طيار تجاري، توجهت إلى الولايات المتحدة وحققت ساعات الطيران المطلوبة للحصول على شهادة الطيار التجاري CPL في العام 2015.

الكابتن داليا البرهان

أما ثاني عراقية جلست على مقعد قبطان طائرة فكانت الشابة ورتي بابكر علي عام 2017 حين حلقت بطائرة بوينغ 737-800، أقلعت من مطار بغداد في مايو من ذلك العام لتحط في بيروت ثم عمان، قبل أن تعود إلى بغداد.

الكابتن وورتي بابكر

وأعلن وزير النقل حينها كاظم فنجان الحمامي في بيان للوزارة أن ورتي بابكر “هي أول فتاة عراقية بدأت تقود طائرة بوينغ من طراز 737-800 من الحجم الكبير بعدما تبنتها الوزارة وهيأت لها مستلزمات النجاح والتفوق في أرقى المعاهد”.

أما ثالث وأحدث عراقية تقود طائرة ضمن كوادر الخطوط الجوية العراقية فكانت رزين محمد خلال شهر مارس الماضي، والتي انتشرت صور لها على مواقع التواصل الاجتماعي وهي تلوح بالعلم العراقي من قمرة القيادة، ليتم تكريمها رفقة اثنين من قائدي الطائرات بدرع وفق فيديو بُث على مواقع التواصل الاجتماعي أظهر الاستقبال الحافل للكابتن رزين من قبل العاملين في المطار.

الكابتن رزين محمد

قادت رزين واحدة من ثلاث طائرات حديثة (طراز B737-8 MAX)، استلمتها الخطوط الجوية العراقية من شركة بوينغ الأميركية لصناعة الطائرات لتنضم رسميا لأسطول الخطوط الجوية العراقية.

متابعة شغف الطفولة

حلم الطيران المدني يرافق العديد من الفتيات العراقيات اليوم، كما تقول عطاء الرحمن عبد الرحمن واحدة من ثلاث طالبات عراقيات يتدربن على الطيران في المرحلة النهائية في إحدى الجامعات بالأردن.

بدأ ولع عطاء بالطيران كما تقول :”منذ الطفولة من خلال الأفلام التي تتحدث عن الطائرات. ولاحقاً حين سافرت مع عائلتي واستقليت الطائرة عرفت أني ولدت لأكون في قمرة القيادة لا في مقعد الركاب فحسب”.

كبر حلم الشابة العراقية، “مع تشجيع عائلتها لها ووقوفهم إلى جانبها لتحقيق شغفها رغم أن قيادة الطائرة تعتبر مهنة للرجال فقط”، تقول.

عطاء الرحمن عبد الرحمن واحدة من ثلاث طالبات عراقيات يتدربن على الطيران في المرحلة النهائية في إحدى الجامعات بالأردن.

ورغم عدم توفر كلية للطيران في العراق “إلا إنني قررت السفر سعياً لتحقيق شغف الطفولة، وكانت هناك ثلاث اختيارات أمامي إما اليونان أو الولايات المتحدة الأميركية أو الأردن”، ووقع اختيارنا على “الأردن كونها أقرب إلى العراق ويسهل السفر منها وإليها”.

حبها الكبير للعمل في قيادة الطائرات لم “يمنع أن تكون هناك لحظات ضعف أفكر خلالها بالتراجع بسبب التدريب المكثف والذي يحتاج إلى الكثير من الجهود والتركيز، خصوصاً وأن المجال يعتبر ذكورياً إلى حد كبير”، إلا أنها تستدرك: “كان ذلك في بداية التحاقي بالدراسة لكني تمكنت من مواجهة جميع الصعوبات وتأقلمت مع طبيعة المجال الصعبة، وكنت من الطلاب المتفوقين والأولى على المجموعة”.

أقل من عام يفصل عطاء الله عن التخرج والحصول على شهادتها في قيادة الطائرة: “لكن طموحي لن يتوقف عند الحصول على الشهادة بل أطمح للانضمام إلى إحدى شركات الطيران والتدرج في العمل وصولاً إلى رتبة كابتن و قيادة طائرة Airbus 320”.

الكابتن علياء البياتي ، أول أمراة من وسط العراق تدخل عالم الطيران

أول امرأة من وسط العراق تقود طائرة

الشابة علياء وعد البياتي من محافظة بابل ، طالبة طيران تدرس في جنوب أفريقيا، زوجة وام لطفلة حلمت واجتهدت لتحقق حلمها.

تقول علياء ” الإنسان لديه طموح ويمكن ان يتحدى كل الظروف حتى يحقق حلمه. ومهنة الطيّار لا تقتصر على الرجال فقط، بالعكس، من حق المرأة ان تطمح وتكون كما تحب ” .

واجهت التحديات بدعم من والديَ وزوجي رغم التنمر والعادات والتقاليد التي تنظر للنساء بالسفر خارج العراق للدراسة هو مرفوض بالخارج وخصوصاً مجال مثل مجال الطيران ، وانا فخورة اليوم كوني تمكنت من تحقيق حلمي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى