تأثير التغير المناخي على مشاركة النساء في الأعمال الرعائية اليومية
5 تموز 2024
منال حميد
للمناخ اثار غير متكافئة وتحديدا على النساء فيما يخص العمل المنزلي في ظل دولة ليس لها تصور جدي و واضح حول خطتها لمواجهة هذا التغير بالتكيف والتخفيف من أعبائه وبشكل خاص منظورها الجندري في اساليب واليات تلك المواجهة فوفق تقرير المناخ والتنمية في العراق الذي أصدره البنك الدولي فما تزال التزامات العراق بموجب الإسهامات المحددة وطنيا متواضعة مقارنة بأقرانه بالمنطقة والشريحة العليا من البلدان المتوسطة الدخل التي تعاني من تحديات إنمائية متماثلة حيث يسجل أدنى مستوى من إسهامات خفض الانبعاثات غير المشروطة المستهدفة حيث بلغت ١٣%. تأثير تغير المناخ
ومن أجل اتخاذ “عدسة العمل الرعائي غير مدفوع الأجر ” عند وضع أي استراتيجية للتكيف مع تغير المناخ أو التخفيف من آثاره، والنظر في التأثيرات على الأمهات وأطفالهن نكتب هذا المقال.
إن أسوأ السيناريوهات التي كان على العالم أن يتجنبها قد بدأت بالفعل والعالم في حالة هلع إذا ارتفعت درجة الحرارة لأكثر من ١.٥% بينما في العراق سترتفع درجة الحرارة بنفس الفترة القياسية بمقدار درجتين مئويتين ويشير تقرير توقعات البيئة العالمية للأمم المتحدة إلى أن درجة حرارة سيرتفع بمعدل أسرع سبع مرات من المتوسط العالمي ويصنف العراق كخامس أكثر الدول تأثرا بتغير المناخ متوقعا انخفاض هطول الأمطار بسبب تغير المناخ بنسبة ٩% بحلول عام ٢٠٢٥ وزيادة ٥٠ مرة في مستويات الملوحة.
لكن التدهور البيئي يعرض النساء لمزيد من خطر التعرض للعنف والتهديدات الجسدية والنفسية وتناقص الفرص التعليمية والاقتصادية أكثر من الرجال بسبب سياسات التمييز واختلاف الأدوار الجندرية المنوطة بكل منهما, ومن أهمها العمل الرعائي المنزلي فالنساء سواء كن عاملات بأجر خارج المنزل او لا فهن ملزمات بتقديمه إلى الأسرة والتي يصل عدد الأعضاء فيها إلى ٢٠ شخص في منزل واحد. حيث يستهلك تقديم تلك الخدمة ما لا يقل عن ٦ ساعات وفق تقديرات منظمة اوكسفام مع انه في واقع الحال يمتد ليشغل يومها بأكمله فالعمل الانجابي بما يتضمنه من رعاية وإرضاع ورعاية كبار السن لا يعرف وقت نوم او راحة وهذا يعني انها تعمل أكثر من ٦ ساعات ولا يقتصر الأمر على النساء البالغات بل حتى الفتيات من عمر ٦ سنوات تقريبا.
الأعمال التي تقدمها النساء من تنظيف وغسيل صحون وملابس وطهي واطعام وتربية وانجاب ورعاية كبار السن والتطبيب تبدو ومن نظرة خاطفة انها غير شاقة وتحدث داخل المنزل ولا تتأثر بتغير المناخ وأن عمال البناء مثلا هم أكثر تأثرا بها, انها السردية الأبوية الجاهزة التي تلفح الوجوه عند التكلم عن تأثير تغير المناخ على العمل الرعائي. تأثير تغير المناخ
وإذا أرادت النساء تسليط الضوء على الإجهاد الحراري يفضل ان تتكلم عن عمال البناء لا النساء في منازلهن حيث كل شيء يأتي جاهز متذلل تحت ارجلهن
لكن في حقيقة الأمر نحن لا نحتاج لكي نتنافس من منا أكثر بؤسا وضحية ويجب التعاطف معه أكثر من الاخر بأسلوب طفولي صرف , نحن نحتاج أن نسحب السياقات التي يتم بها هذا العمل الرعائي المتنوع تحت بقعة الضوء لكي تنجلي أكثر ونجد حلولا للتعامل معها.
العمل الانجابي والتربية
فعلى صعيد العمل الانجابي والتربية فالتغير المناخي يضاعف الاهتمام بتلك الأعمال كون الكوارث المتعلقة بالمناخ مرتبطة بزيادة مخاطر حدوث مضاعفات واحتمال فقدان الحمل، وانخفاض وزن الجنين عند الولادة، والولادة المبكرة. وتعتبر النساء الحوامل أكثر عرضة للإجهاد الحراري من النساء غير الحوامل بسبب ضعف قدرتهن على التنظيم الحراري والتوازن.
ولأن ارتفاع درجات الحرارة يجلب معه احتمالات الاصابة بالأمراض المعدية ونقص المناعة وبشكل خاص للأطفال وكبار السن فهذا يجعل مسؤولية رعايتهم وحمايتهم من الأمراض أكبر من المعتاد بالإضافة إلى رعاية البالغين. أما بالنسبة لأعمال الرعاية غير المباشرة المتمثلة بـ” شغل البيت ” فسيتحول إلى مهمة عسيرة في ظل شح المياه فعلى النساء توفير المياه اولا وترشيدها وحمايتها من التبذير من قبل بقية الافراد وان تستعملها بطرق لم تألفها من قبل.
غالبًا ما يزيد تغير المناخ من الضغط على النساء ويجعلهن يقضين وقتًا أطول في أعمال الرعاية المنزلية والأسرية، والتي عادة ما تكون غير مدفوعة. و هذه الأعمال، التي تقوم بها النساء بشكل أساسي، تسبب ظلمًا اقتصاديًا ومشاكل، خاصة بالنسبة للأمهات، خصوصًا في ظل ارتفاع درجات الحرارة وتأثيرها على صحة الأطفال والحاجة المتزايدة للرعاية.
تقوم النساء بأداء هذه المهام في ظروف لا تسمح، دينيًا أو عرفيًا، بتخفيف الملابس حتى في حالة العيش ضمن أسر مشتركة، مثل الإقامة مع أسرة الزوج أو “العيال”. هذا يجعل إنجاز هذه المهام، والتي يتوقع المجتمع أداءها بمعايير معينة، أمرًا مرهقًا. إضافةً إلى ذلك، قد يؤدي الجمع بين ارتداء عدة طبقات من الملابس مع العمل لساعات طويلة في مطبخ حار إلى الإصابة بالإجهاد الحراري.
على الرغم من أن مشاركة الرجال في الأعمال المنزلية تكاد تكون محدودة، حيث لا تتجاوز مساهمتهم ٤٥ دقيقة يوميًا، إلا أن غيابهم الكامل بسبب الهجرة يزيد من الأعباء الملقاة على عاتق النساء، مما يؤدي إلى تفاقم تأنيث الأدوار المنزلية والرعائية، خصوصًا في الحالات التي يغادر فيها الرجال إلى قرى أو مدن أخرى بحثًا عن فرص عمل، تاركين خلفهم عائلات تواجه التحديات المناخية مثل الحرارة المرتفعة والجفاف.
يأخذ هذا في الاعتبار أن النساء، سواء كُنّ أمهات أو عازبات، يفتقرن إلى الحرية في التنقل التي قد تمكنهم من الهجرة بسبب آثار تغير المناخ نظرًا لمسؤولياتهن المنزلية ورعاية الأطفال. إذ إن الكثير منهن لا يستطعن مغادرة المنزل إلا بإذن من الزوج أو ولي الأمر، فما بالك بالهجرة؟
الإجهاد الحراري
أثناء قيامهم بأعمالهم المنزلية، تجد النساء أنفسهن محصورات داخل منازلهن دون إمكانية لتبريد أجسامهن بشكل كافٍ لتجنب الإصابة بالإجهاد الحراري. هذا يرتبط بالهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة، الذي يسعى لضمان وسائل للطهي بطريقة صحية تجنب التلوث الهوائي داخل المنازل، والذي يؤثر سلباً على صحة النساء.
العديد من المطابخ إما أن تفتقر لنظام تهوية جيد أو لا تمتلك أجهزة تبريد، وفي حال وجودها، غالبًا ما تعتمد على الكهرباء الوطنية التي تتوفر لساعات محدودة في اليوم، مما يجعل العمل المنزلي يستهلك معظم وقت النساء دون فرصة لتبريد أجسادهن بشكل مناسب
تشير الأبحاث إلى أن النساء اللواتي يعانين من أمراض ناجمة عن الإجهاد الحراري، مثل السكتة الدماغية، الطفح الجلدي الناتج عن الحرارة، والإنهاك، يواجهن مدة تعافٍ أبطئ. كما توجد تجارب عملية أظهرت الضعف الجسماني الذي يمكن أن يسببه الإجهاد الحراري في النساء.
السياسات الحكومية لمواجهة تغير المناخ
فيما يتعلق بالسياسات التي تطبقها الحكومة لمواجهة تأثيرات تغير المناخ على المواطنين بشكل عام، سواء للرجال أو النساء، يبدو أن هناك نقصًا في الوضوح أو الإدراج المباشر لهذه القضايا في خططها. الإجراءات المتخذة تقتصر عادةً على توفير إجازات رسمية خلال فترات الطقس القاسي مثل الحر الشديد، الأمطار الغزيرة، والعواصف التي تعيق الرؤية، بالإضافة إلى تقليص ساعات العمل الرسمية إلى سبع ساعات، وهي فترة غالبًا ما يقضيها الأفراد في الازدحامات المرورية.
أما بالنسبة للعمل الرعائي غير المأجور، فلا يتم اعتباره عملًا رسميًا في الأساس، لذا لا تبذل الحكومة جهودًا كافية لضمان بيئة صحية لممارسته. و تبقى النساء مسؤولات عن إيجاد طرق للتكيف مع الطقس، سواء تبريد أو تدفئة منازلهن بالوسائل المتاحة، وغالبًا ما تقتصر هذه الوسائل على تدفئة أو تبريد غرف النوم والمعيشة، بينما يُهمل المطبخ، حيث تقضي النساء معظم وقتهن، مما يؤدي إلى تفاقم مشاكل الصحة مثل الصداع المزمن، التهاب الجيوب الأنفية، الصداع، ومشاكل الكلى بسبب الجفاف الناتج عن التعرق الزائد، فضلاً عن زيادة تساقط الشعر، خصوصًا خلال موسم الحر الشديد وبالأخص بين النساء المحجبات.
يعد دمج مفاهيم ومعايير النوع الاجتماعي في تحليل وتقييم الهجرة والتنقل ضروريًا، خاصة في ضوء تصنيف العراق في المرتبة ١٥٤ من أصل ١٥٦ دولة في تقرير الفجوة بين الجنسين العالمي لعام ٢٠٢١. نظرًا لأن النساء في العراق يواجهن فرصًا اقتصادية وتعليمية وسياسية ومشاركة أقل، فإن قدرتهم على التكيف مع التغيرات تبقى محدودة جدًا. يشكل الارتباط القوي بين النساء والأعمال الرعائية عائقًا أساسيًا أمام مشاركتهن في الفضاء العام، ومن المتوقع أن يفاقم التدهور البيئي هذه العوائق بشكل كبير.
حيث تزداد الضغوط على النساء بشكل خاص في مجالات كرعاية المرضى والأطفال، بما في ذلك الأعباء الجندرية المفروضة عليهن، مثل الإنجاب ورعاية كبار السن، بالإضافة إلى الأعمال الرعائية غير المباشرة كالتنظيف والطهي. بينما التأثيرات السلبية على صحة النساء، مثل الإجهاد الحراري، ومشاركتهن في الاقتصاد والمجال العام ستتفاقم مع التوقعات بزيادة أعباء الرعاية نتيجة تفشي الأوبئة وتدهور الحالة الصحية بسبب نقص المياه وتلوث المتبقي منه فضلاً عن انتشار الحشرات وغيرها من المشكلات البيئية.
الاستراتيجيات النسوية
لدى النساء انفسهن بعض التحركات التي نسميها استراتيجيات نسوية “طموحًا” للتعامل مع مسألة تغير المناخ والعمل الرعائي ومن أهمها هو عدم الرغبة بالزواج ضمن العائلة الممتدة أو اشتراط بعض الشروط التي تضمن حصولهم على شيء من الخصوصية في ظل ” بيت العيال ” بحيث تستطيع أن تحظى بشيء من الراحة والقدرة على تبريد الجسم أو تدفئته وهي تمارس عملها غير المعترف به , أو القيام بالأعمال المنزلية التي تتطلب وقتا وجهدا أكبر كالطبخ وغسل الملابس والتسوق.
علي الرغم أن الدولة والمجتمع لا يعترفان بالعمل الرعائي كعمل مدفوع، وينظر إليه بوصفه مسؤولية طبيعية للمرأة تنبع من التقسيم التقليدي للأدوار حيث يعمل الرجل خارج المنزل مقابل أجر، بينما تقوم المرأة بالأعمال المنزلية دون مقابل، يواجه هذا المفهوم تناقضاً في التطبيق.
على سبيل المثال، الدولة لا تتخذ خطوات لتخفيض تكلفة الأدوات التي تسهم في تقليل الوقت اللازم للطهي خلال فصل الصيف، ولا تتم تهيئة التصميمات العمرانية سواء في المناطق الحضرية أو الريفية لجعل المطبخ أكثر ملاءمة للاستخدام المطول. و تُصمم المطابخ وتُجهز بالأثاث بناءً على فرضية أن الاستخدام لن يتجاوز ساعة واحدة يوميًا، باستثناء الأسر الغنية التي تستطيع تحمل تكاليف شراء غسالات الصحون، الغسالات الأوتوماتيكية، مكيفات الهواء، وغيرها من الأجهزة.
كما لا تبدي الدولة اهتمامًا بخفض تكاليف دور رعاية الأطفال أو تقديم تسهيلات كتعويض عن مساهمة النساء في الاقتصاد دون الحصول على اعتراف أو مقابل مادي، أو حتى توفير أجهزة وأدوات بتكلفة منخفضة تساعد في رعاية كبار السن.
التشريك
وعلى صعيد المنظمات المعنية بالتغير المناخي فهي غير متنبهة لهذه الجزئية مع ان النساء العراقيات، خصوصًا اللواتي يقمن بالأعمال الرعائية في المنزل، رغم أن نسبة البطالة بينهن بلغت ٢٨%. سواء كنّ عاملات وغير عاملات، تقع على عاتقهم مسؤولية العمل الرعائي، بينما تقتصر مبادرات تلك المنظمات على التوعية البيئية والإغاثية.
في سياق التغير المناخي، يبرز الحاجة الماسة لإشراك العمل الرعائي بصورة أكثر فعالية، ويشير التشريك هنا إلى إعادة توزيع أعباء العمل المنزلي بين أفراد الأسرة وبين الدولة. يمكن للدولة المساهمة من خلال تقديم حوافز مالية، رواتب، إعفاءات ضريبية، أو خفض تكاليف الأدوات التي تساعد على تيسير مهام النساء اليومية، بالإضافة إلى تشجيع الرجال بطرق مبتكرة للمشاركة في هذا العمل، وكذلك توفير دور رعاية بتكاليف مخفضة بدلاً من رسوم باهظة.
كما يتضمن الدعوة للمشاركة في حملات بيئية، تشجيع على إعادة التدوير بشكل واسع، وغيرها من السلوكيات البيئية المستدامة، بمشاركة الشباب، الذين يشكلون أكثر من نصف سكان العراق، مع التركيز على النظرة الجنسانية في جهودهم المتعلقة بالمناخ.
*صوت الشرق الأوسط