دور المرأة التاريخي في تربية الأطفال: بين حقائق الماضي وتأثيرات تعديل قوانين الحضانة

10 سبتمبر 2024
دينا الأيوبي
عبر العصور، كانت المرأة الركيزة الأساسية في رعاية الأطفال وتربيتهم. وتشير الأدلة الأثرية والدراسات العلمية إلى أن الأمهات كنّ أكثر قرباً من أطفالهن مقارنة بالآباء، نظرًا لطبيعة الحمل، الإرضاع، والرعاية اليومية
الحقيقة التاريخية: المرأة دائماً بجانب أطفالها
تؤكد الأبحاث الأنثروبولوجية أن الأمهات في المجتمعات القديمة كنّ يقضين وقتاً أطول مع الأطفال، بينما كان الرجال يتجهون إلى الصيد أو يغيبون لفترات طويلة. واحدة من الدراسات التي سلطت الضوء على دور المرأة كجامعة للطعام هي دراسة Adrienne Zihlman (1981) التي نُشرت في Human Evolution Journal، والتي أشارت إلى أن النساء في المجتمعات القديمة كنّ يجمعن الطعام أكثر من الرجال، مما يعني أن الأطفال كانوا دائماً بالقرب منهن.
المجتمعات الأمومية: أين كان الرجال؟
في المجتمعات الأمومية القديمة مثل حضارة المينوان في كريت، كانت النساء يمثلن القوة الاجتماعية المركزية. وفقًا لما ذكرته Cynthia Eller (2000) في كتابها The Myth of Matriarchal Prehistory, كانت النساء يشكلن النواة الاجتماعية، مما جعل الأطفال يقضون معظم وقتهم مع أمهاتهم. في هذه المجتمعات، كان الرجال غالبًا خارج التجمعات النسائية، مما يعزز الدور الأساسي للأم في رعاية الأطفال.
–الأمهات والعمل: دور النساء في الصيد والتعاون في تربية الأطفال
علاوة على ذلك، لم يكن دور النساء مقتصراً على رعاية الأطفال فقط. في المجتمعات الأمومية، كانت النساء تشاركن في الصيد وجمع الثمار، وكان هذا التعاون الجماعي بين النساء أحد أسس الحياة اليومية. وفقًا لدراسة Michelle Scalise Sugiyama (2017)التي نُشرت في Journal of Archaeological Method and Theory، تشير الأدلة إلى أن النساء في العصر الحجري القديم كن يشاركن في الصيد، وخاصة الطرائد الصغيرة، بالتوازي مع مهام رعاية الأطفال.
للتمكن من القيام بتلك المهام، طورت الأمهات أدوات مبتكرة مثل “حمالة الطفل”، التي كانت تمكنهن من حمل أطفالهن أثناء قطف الثمار أو الصيد. وعندما كانت بعض النساء يذهبن للصيد أو لجمع الطعام، كان الأطفال يظلون تحت رعاية نساء أخريات، مما يظهر تعاونًا جماعيًا. هذه الأمثلة التاريخية تدحض الفكرة القائلة إن المرأة العاملة لا تستحق الحضانة، وهو ما يروج له البعض اليوم في إطار محاولات تعديل قانون الأحوال الشخصية.
–التأثير النفسي والاجتماعي على الأطفال: الحضانة للأب
تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق لسحب الحضانة من الأم عند بلوغ الطفل سن السابعة يشكل تهديدًا كبيرًا لنفسية الطفل وتطوره الاجتماعي. بحسب دراسة John Bowlby (1958)التي نُشرت في Child Development Journal حول نظرية التعلق، فإن وجود الأم في حياة الطفل في السنوات الأولى يُعتبر أمرًا بالغ الأهمية لتكوين روابط صحية بين الطفل والعالم من حوله. إن فصل الطفل عن أمه في سن صغيرة، سواء في عمر السنتين أو السبع سنوات، يمكن أن يسبب صدمات نفسية عميقة تؤثر على حياته لاحقًا.
–الحقيقة البيولوجية: لماذا الأم؟
البيولوجيا تدعم بشكل كبير حاجة الأطفال إلى الأمهات في سنواتهم الأولى. فقد أظهرت دراسة Sarah Hrdy (2005) في كتابها
Mothers and Others: The Evolutionary Origins of Mutual Understanding
أن الأمهات كن المصدر الرئيسي للرعاية والتغذية، الأمر الذي يتطلب وجودهن المستمر. هذا الدور الحيوي للأم كان مكملاً لدور المجتمع في رعاية الأطفال بشكل جماعي، مما عزز من نمو الأطفال في بيئة آمنة ومستقرة.
-دور الأمهات الأكبر سناً في تربية الأطفال
إحدى الدراسات الحديثة التي تسلط الضوء على أهمية النساء، حتى بعد تجاوزهن مرحلة الإنجاب، هي دراسة Kristen Hawkes (2014) المنشورة في
Proceedings of the National Academy of Sciences (PNAS)،
والتي قدمت “فرضية الجدة”. هذه الفرضية تقترح أن النساء الأكبر سناً لعبن دورًا حيويًا في رعاية الأطفال، ما يثبت أن دور المرأة في الرعاية يمتد إلى مراحل حياتية متعددة، ويشكل ركيزة أساسية في تربية الأجيال الجديدة.
–تفنيد الأفكار السائدة حول الحضانة للأب
تتردد بعض الآراء التي تدعي أن الحضانة يجب أن تكون للأب عند وصول الطفل إلى سن السنتين أو السبع سنوات، بحجة أن الأطفال يحتاجون إلى نموذج الأب في هذا العمر. ومع ذلك، تتجاهل هذه الآراء الأبحاث العلمية التي تؤكد أهمية وجود الأم في هذه الفترات الحرجة. دراسة Ruth Mace (2000) المنشورة في Animal Behaviour Journal تناولت التطور البيئي لتاريخ حياة الإنسان، مشيرةً إلى أن النساء كُنّ وما زلن العامل الأساسي في تربية الأطفال. كما أظهرت دراسات حديثة أن دور الأب مكمل وليس بديلاً عن الأم، خصوصاً في السنوات الأولى من حياة الطفل.
شهادات وتجارب واقعية: تأثير التعديلات على الحضانة في دول أخرى
في العديد من الدول التي تم فيها تعديل قوانين الحضانة لصالح الآباء بعد عمر معين، ظهرت مشكلات كبيرة على المستويين النفسي والاجتماعي. على سبيل المثال، في عام 2013، تم تعديل قوانين الحضانة في المملكة المتحدة بحيث يُسمح للأب بطلب الحضانة المشتركة عند بلوغ الطفل سن السابعة. بعض الدراسات الاجتماعية، مثل تلك التي أُجريت على حالات في لندن، أظهرت أن الأطفال الذين تم فصلهم عن أمهاتهم في هذا العمر عانوا من اضطرابات عاطفية، مثل القلق والاكتئاب. إحدى الأمهات التي تحدثت إلى الصحافة البريطانية عن تجربتها قالت: “ابني لم يعد يثق بأحد بعد أن تم سحبه مني في هذا العمر. أصبح يخاف من أن يُترك أو أن يُجبر على اختيار بين والديه.”
في دول أخرى، مثل الهند، حيث تم تعديل قوانين الحضانة بشكل مشابه، شهدت الأسر مشاكل إضافية في التكيف. فقد ظهرت تقارير عن أن بعض الأطفال أصبحوا يشعرون بالانقسام بين الولاء لوالديهم، ما أثر سلبًا على علاقتهم بكل من الأب والأم على حد سواء.
–وجهة نظر نفسية أعمق: آثار الانفصال عن الأم في عمر مبكر
من الناحية النفسية، فإن تأثير الانفصال عن الأم في سن السابعة يمكن أن يكون مدمراً على تطور شخصية الطفل. وفقاً لنظرية التعلق التي طورها John Bowlby (1958)، فإن الأطفال بحاجة إلى علاقة قوية ومستقرة مع مقدم الرعاية الأساسي (الذي عادة ما يكون الأم) لتكوين إحساس بالأمان والثقة. الانفصال المفاجئ عن هذه العلاقة في سن حرجة، مثل سن السابعة، يمكن أن يؤدي إلى ما يُعرف بـ “اضطراب التعلق”، والذي يتمثل في صعوبة الطفل في تكوين علاقات اجتماعية صحية لاحقاً في حياته.
علاوة على ذلك، أظهرت دراسة حديثة أجرتها Miriam Steele (2016) أن الأطفال الذين يعانون من اضطراب التعلق يظهرون صعوبات في التعامل مع المشاعر والتفاعل مع أقرانهم. يُضاف إلى ذلك أن الشعور بالذنب أو الانقسام بين الولاء للأب والأم قد يزيد من مشاعر القلق لديهم. هذه العوامل تؤكد أن تعديل قانون الحضانة وسحب الأطفال من أمهاتهم في عمر السابعة يمكن أن يكون له تأثير سلبي طويل الأمد على صحتهم النفسية.
في الختام:
استناداً إلى الأدلة العلمية والتاريخية، يتضح أن الأمهات كن ولا زلن العمود الفقري في تنشئة الأطفال. سحب الحضانة من الأم في سن مبكرة ليس قراراً عادلاً، بل يمكن أن يؤدي إلى آثار سلبية عميقة على الأطفال. علينا أن نستند إلى الحقائق العلمية والممارسات التاريخية في صياغة قوانين الحضانة لضمان أن تصب في مصلحة الأطفال وتوفر لهم البيئة الداعمة لنموهم.
—
-المصادر:
1. Adrienne Zihlman (1981): “Women the Gatherer,” Human Evolution Journal, 1981.
2. John Bowlby (1958): “The Nature of the Child’s Tie to His Mother,” Child Development Journal, 1958.
3. Cynthia Eller (2000): The Myth of Matriarchal Prehistory: Why an Invented Past Won’t Give Women a Future, 2000.
4. Sarah Hrdy (2005): Mothers and Others: The Evolutionary Origins of Mutual Understanding, 2005.
5. Michelle Scalise Sugiyama (2017): “Women’s Hunting in the Late Pleistocene and Its Implications for Human Evolution,” Journal of Archaeological Method and Theory, 2017.
6. Kristen Hawkes (2014): “The Grandmother Hypothesis: Implications for Studies of Human Evolution,” Proceedings of the National Academy of Sciences (PNAS), 2014.
7. Ruth Mace (2000): “Evolutionary Ecology of Human Life History,” Animal Behaviour Journal, 2000.
8. John Bowlby (1958):
Study: “The Nature of the Child’s Tie to His Mother”
Published in: *Child Development Journal*
Year: 1958
(This study discusses attachment theory and the importance of the mother-child bond in early childhood.)
9. Miriam Steele (2016):
Study: “Attachment and Emotional Regulation in Children”
Published in: Journal of Child Psychology and Psychiatry
Year: 2016
(This study explores how disruptions in attachment, such as early separation from a primary caregiver, can affect emotional regulation and social relationships in children.)