البيئة والمناختقارير وتحقيقات

النفايات الصلبة.. العراق يهدر ثروة تضاهي النفط

3 أكتوبر 2023

يدفع العراق ثمناً باهظاً على المستويات الاقتصادية والصحية والبيئية، كنتيجة مباشرة لعدم قدرته على التعامل مع أكثر من 30 ألف طن من النفايات الصلبة يومياً، مكتفياً بحرقها أو طمرها بطرق بدائية غير مدروسة ودون إعادة تدويرها أو بيعها.

وتشير تقارير أممية إلى أن الفعاليات البشرية اليومية المختلفة في العراق تنتج ما يزيد عن 30 ألف طن من النفايات يومياً. إلا أن البلد يفتقر إلى بنية تحتية مؤهلة للتعامل مع هذا الكم الهائل من النفايات والتخلص منها بطريقة مناسبة تضمن عدم وجود أثار سلبية على البيئة وصحة السكان.

التعامل مع النفايات بالطرق التقليدية غالباً ما يؤدي إلى آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد والصحة والبيئة كما يشير حيدر رشاد رئيس مؤسسة “حِقب” للإغاثة والتنمية المستدامة في حديثه مع “ارفع صوتك”: “بغداد لوحدها تنتج ما بين 10-12 مليون طن يومياً، وهو رقم مهول يوازي جبلاً من المخلفات الناتجة من الفعاليات اليومية للبيوت والمعامل والزراعة والصناعة والطب وغيرها”. يقول رشاد.

نصف هذه الكمية، بحسب رشاد، “عبارة عن مخلفات عضوية، والنصف الآخر غير عضوية مثل الورق والزجاج والبلاستيك ومخلفات إلكترونية وأنقاض أبنية، بالإضافة إلى المخلفات السائلة”.

يشرح رشاد أن “لكل نوع من هذه المخلفات طرقاً خاصة للتعامل معها والاستفادة منها باتجاهين الأول لإعادة التصنيع، والثاني لتقليل كمية المواد التي يتم استيرادها منها”.

لكن ذلك لا يحصل بل إن النفايات “لا تجري معالجتها والتعامل معها وإعادة تدويرها، وأغلبها لا يتم الاستفادة منها وتذهب إلى المطامر، وهي أراض تدفن فيها النفايات من دون مراعاة الشروط الصحية العالمية”.

خسائر فادحة

بحسب دراسة لـ”مركز البيان للدراسات” حملت عنوان “ما يمكن للعراق أن يحققه من تدوير النفايات المنزلية الصلبة”، فإن “القمامة تعد إحدى المشكلات المزمنة بالنسبة للعراقيين، بينما هي في الأساس ثروة قومية من الممكن أن تمثل أحد مصادر الدخل القومي للعراق”.

وبحسب الدراسة فإن القمامة “يمكن أن تتحول من مصدر للتلوث البيئي وبؤرة من بؤر الأمراض والأوبئة المختلفة، إلى صناعة تزداد نجاحاً يوماً بعد يوم”. وتلفت الدراسة إلى أن “الثمن الباهظ الذي تتكبده الدولة إنفاقاً على التخلص من النفايات، كان في وسعها أن توفره، بعد اتخاذ إجراءات لاسترجاع هذه الثروة الطبيعية الضائعة”.

للنفايات إذاً قيمة مالية عالية، كما تشير الدلاسة، ويمكن لـ”طن القمامة الخام أن يساوي قيمة برميل من النفط الخام”. هذا يعني بحسب الدراسة أن هناك “إمكانية للحصول على 270 مليون دولار سنوياً من بيع المخلفات البلاستيكية كمادة خام إلى البلدان المجاورة ذات المكانة المتطورة في عملية إعادة التدوير”. ولا يقتصر جني الثمار من عملية تدوير القمامة الصناعي فقط “فقد أصبح بالإمكان استبدال الأسمدة الكيميائية التي تلوث الأراضي الزراعية بالسماد العضوي الذي يطلق عليه الكوموش المنتج من القمامة، وهذه الأسمدة يمكن عبرها استصلاح آلاف الدونمات الزراعية”.

ليس ذلك فقط، بل يمكن للنفايات بحسب الدراسة أن توفّر “العديد من فرص العمل. ناهيك عن العائد الصحي الذي يفوق ذلك بعدة مرات، نتيجة لتجنب الآثار الجانبية عن تلوث البيئة بالقمامة”.

بالإضافة إلى هذه الكلف يشير رشاد إلى وجود بورصة عالمية للنفايات، “والمتعارف عليه فيها أن سعر طن النفايات يبلغ 200 دولاراً للطن الواحد، وإذا ضربنا هذا الرقم بحجم النفايات اليومية في العراق فالنتيجة ستتجاوز الـ600 ألف دولار”.

يمكن استخدام النفايات، أيضاً، بحسب رشاد في “حل جزء من أزمة الطاقة الكهربائية التي يعاني منها العراق ،عبر حرقها عن طريق معامل خاصة تنتج 40 ميغاواط من الكهرباء لكل ألف طن من النفايات”.

“البيروقراطية والفساد!”

يتحدث رشاد عن طرق بدائية لجمع القمامة في العراق، إذ “تجمع النفايات من قبل البلدية أو أمانة العاصمة من البيوت، ثم تنقل إلى محطات وسطية على أطراف المناطق السكنية تفتقر إلى الشروط الصحية والبيئية”.

أغلب تلك المناطق هي “مجرد حفر عملتها الطبيعة أو البشر بعضها كان سابقاً مقالع للحصى، يفترض أن يتم نقل النفايات منها إلى مناطق أخرى خارج المدن للتعامل معها وفرزها”. لكن، بدلاً عن ذلك “يتم حرقها لتتحول إلى غيوم من الغازات السامة”.

ويعرب رشاد عن أسفه لأن العراق “بلد متأخر كثيراً عن اللحاق بركب العالم المتطور في هذا المجال، فالعالم وصل إلى خطوات متقدمة جداً للوصول إلى صفر من النفايات، والتي تعني الاستفادة الكاملة والتامة منها”.

ويرى رشاد أن “البيروقراطية والفساد الإداري أهم مسببات تراجع العراق في هذا الموضوع”. ويشرح: “فيما يتعلق بالبيروقراطية أو الروتين فإن المستثمر الذي يحاول إقامة مصنع لتدوير النفايات عليه المرور بسلسلة إجراءات طويلة، تبدأ من تخصيص الأرض التي يجب أن توافق عليها وزارات الدفاع والداخلية والنفط والكهرباء والآثار والسياحة والموارد المائية…”. وحين ينتهي من هذا كله، “يدخل في دوامة الفساد الإداري والمالي، وهو أمر نمر به جميعاً حتى في حالات المراجعات للمواطن العادي فما بالك بالمستثمر” بحسب رشاد.

استثمارات ضخمة

يمكن أن يساعد فرز النفايات في إنشاء 223 مصنعاً للمعادن والورق والزجاج والبلاستيك والأسمدة العضوية والقماش بما يعادل 246 مليون دولار، كما تشير دراسة مركز البيان.

ووفقاً لذلك، “تؤدي هذه الاستثمارات الضخمة إلى خلق مصدر مستدام للدخل القومي العراقي. كما أن عمليات إعادة التدوير تساعد في توفير ما تنفقه وزارة الصحة من أجل الوقاية من الأمراض التي تصيب الإنسان، وتوفر آلاف فرص العمل وتنشط دورة الدخل وتحفز في تنظيم قطاع النفايات والاقتصاد فيه”.

ولأجل تنفيذ تلك المعامل تشير الدراسة إلى متطلبات عدة يحتاج إليها العراق للعمل على خطة استراتيجية للتشجيع على تدوير النفايات أو محاولة استرجاع مصادر الثروة الأولية منها أو حتى إعادة استخدامها. أول تلك المتطلبات أن: “يصبح لدينا بنك معلومات دقيقة عن هذه النفايات لكل محافظات العراق، كتقرير سنوي، وذلك بالتعاون بين أمانة بغداد والجامعات والمراكز البحثية التخصصية”.

بالإضافة إلى “إنشاء صندوق اجتماعي أو صندوق حماية البيئة لإقامة مشاريع لتجميع هذه النفايات وفرزها وغسلها، بحسب نوعها مثل مخلفات البلاستيك أو المخلفات المعدنية أو الورقية”. وذلك قبل أن يتم “تسليم هذه النفايات المفروزة إلى القطاع الحكومي المختص لتصديرها إلى البلدان المتطورة في مجال تدوير المخلفات مثل تركيا والصين وشمال أوروبا”.

ثقافة المجتمع هي الأخرى تحتاج بحسب الدراسة إلى المزيد من التوعية وخطة موضوعية تبدأ من المناهج المدرسية، “من أجل إعداد جيل جديد واع بأهمية موضوع التعامل مع القمامة”. بالإضافة إلى “مشاركة أجهزة الإعلام من الإذاعة والتلفزيون ومواقع التواصل في حملة نوعية نشطة للاستفادة من القمامة وفصل مكوناتها من المنبع (الأسرة)، وذلك بتوفير الصناديق والأكياس الملائمة للمواطنين”.

كما تتطلب الاستراتيجية: “تعاون أجهزة الدولة مع رجال الأعمال على استثمار أموالهم في إنشاء مصانع تدوير النفايات. مع أهمية توفير الأرض لهم مجاناً وتسهيل إجراءات التراخيص”.

ضوء في آخر النفق؟

رغم التاريخ الطويل للعراق مع عدم القدرة على التعامل مع النفايات بطريقة متطورة، إلا أن رشاد يرى ضوءاً في نهاية النفق: “فهناك توجه حكومي نتأمل أن يكون جاداً لمعالجة هذا الملف”.

وكانت وزارة البيئة أعلنت في بيان لها عن إعداد مسودة قانون جديدة لإدارة النفايات في العراق. ركز القانون بحسب البيان على “وضع أسس جديدة علمية لملف النفايات في العراق، ودعم الاستثمار واستخدام النفايات لإنتاج الطاقة الكهربائية بما يتوافق مع التزامات العراق الدولية تجاه ملف التغيرات المناخية واتفاقية باريس وبما يضمن إعادة التدوير والإدارة الرشيدة لملف النفايات في العراق”.

ويشير رشاد إلى أن هذا التوجه الحكومي يمكن له النجاح “إذا ما تم حل موضوع البيروقراطية عبر أتمتة العمل من جهة، ومحاربة الفساد الإداري والمالي من جهة أخرى، ليتمكن المستثمرون من العمل في بيئة صحيحة”. ويختم رشاد حديثه بالتأكيد على أن البلد “يحتاج إلى حسم هذا الملف، فالوقت ليس في صالحنا والتلوث في العراق لم يعد يمكن احتماله”.

* المصدر : أرفع صوتك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى