تقارير وتحقيقات

الإعدامات السرية للمعتقلين.. نهج جديد يضع حكومة بغداد أمام مسؤوليات حقوقية وأخلاقية

24 يناير 2024

شهد سجن الناصرية الحكومي المركزي المعروف باسم “سجن الحوت” حملة مكثفة بتنفيذ أحكام إعدام بحق معتقلين على مدى الشهرين الماضيين دون إعلان ذلك، في خطوة تشير إلى وجود نهج جديد في التعامل مع ملف المحكومين بالإعدام، وسط تكتم حكومي وإعلامي.

المحكومون بالإعدام أعتقل أغلبهم أثناء حكومتي رئيس الوزراء الأسبق “نوري المالكي” الأولى والثانية (2006_2014)، فضلاً عن الأحداث التي رافقت فقدان السيطرة على مدن ومناطق واسعة في محافظات الوسط والشمال بين سنوات (2014_2017)، وانتشار ظاهرة المخبر السري التي تسببت باعتقال الآلاف دون وجه حق.

ملف المعتقلين العراقيين، والمحكومين منهم بالإعدام على وجه الخصوص، من الذين يتجاوز عددهم 17 ألف شخص، يعدُّ من أبرز القضايا التي شكّلت جدلاً سياسياً وشعبياً وإعلامياً واسعاً في السنوات الماضية، إذ أدين معظمهم وفقاً لمعلومات “المخبر السري”، والاعترافات تحت الإكراه والتعذيب.

ويقع سجن “الحوت” في مدينة الناصرية، ضمن محافظة ذي قار جنوبيّ العراق، ويضمّ نحو 40 ألف معتقل، وهو أكبر السجون الحكومية بعد إغلاق سجن “أبو غريب”، ويلقبه مراقبون بالسجن العراقي “صاحب الصيت السيئ”.

القوى السياسية استخدمت في الانتخابات الأخيرة، ورقة المعتقلين وسيلة في استعطاف العراقيين من خلال المضي في إقرار “قانون العفو العام”، الذي يتضمن توفير ظروف قانونية لإعادة محاكمة السجناء، لضمان العدالة القضائية.

وأقرت مصادر أمنية حكومية من داخل سجن الناصرية ووزارة الداخلية بأن إدارة السجن نفذت خلال الفترة الماضية أحكام إعدام بحق عدد من المدانين بتهم تتعلق بما يسمى “الإرهاب”، بما يفند الوعود الحكومية بشأن “قانون العفو العام”.

وبحسب اعترافات المصادر الحكومية، فإن تنفيذ الأحكام جرى رغم إصابة بعض المعتقلين بأمراض مزمنة، في حين يعاني آخرون من أمراض كلوية وتنفسية وجلدية، حيث نُفذت الأحكام دون إعلانها، وأُبلِغ ذووهم بتسلّم الجثث من دائرة الطب العدلي في الناصرية.

ويشهد سجن الناصرية الحكومي المركزي حالات وفاة في صفوف المعتقلين نتيجة الإهمال الصحي واستمرار الانتهاكات الإنسانية التي يتعرض لها المعتقلون من قبل إدارة السجن، في حين وصلت شكاوى غير قليلة إلى منظمات محلية ودولية من سجناء، يؤكدون وجود انتهاكات وتعذيب وتجويع وابتزاز وغيرها الكثير من الشواهد الصارخة التي تؤكد انتهاك حقوق الإنسان، دون إجراءات حقيقية من قبل السلطات، حتى إن اللجان التي عادة ما تعلن عنها وزارة العدل، تختفي بعد مدة ولا يُعرف مصيرها.

المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، كان قد كشف في تقرير سابق له عن وفاة نحو 50 معتقلاً نتيجة عمليات التعذيب والإهمال الطبي في السجون التابعة لحكومة بغداد، مشيرًا إلى أن عدّاد المتوفين لا يتوقف، وأنهم يتوفون بالعشرات في توقيتات متقاربة، وأغلبهم في سجن الناصرية المركزي.

وأكد مركز توثيق جرائم الحرب احتجاز السلطات الحكومية عشرات الآلاف من المعتقلين في ظروف غير إنسانية، من طريق وضعهم في زنازين مكتظة وغير مهيّأة صحياً لسنوات عديدة بدوافع انتقامية وطائفية، مع انعدام الظروف الصحية في زنازينهم.

مصادر حقوقية وأخرى من منظمات المجتمع المدني العراقي، كشفت أن بلاغات وإفادات حصلت عليها المنظمات الإنسانية، تكشف حالات الإعدام المفاجئ لعدد من السجناء في الأشهر الماضية، وأن ذوي المحكومين بالإعدام تلقوا اتصالات من إدارة السجن، وطالبوا بنقل جثامينهم إلى المقابر، وإجبارهم على توقيع تعهدات بعدم الكشف عن أية معلومات.

وأكدت المنظمات الحقوقية أن هذه الممارسات موجودة منذ سنة 2003 ولغاية الآن، لكنها تزيد في فترات بعينها مثل الأزمات والانشغال بالانتخابات أو الحوادث الأمنية، حيث تُعدُّ فرصة مناسبة من وجهة النظر الحكومية لتنفيذ أحكام الإعدام التي تشوبها اتهامات وانتقادات بالنهج الكيدي والطائفي، إذ إن انشغال العراقيين بالأحداث يمنع الكشف عن هذه الممارسات، التي عادة ما تشبه الحفلات، حيث يقاد العشرات إلى الإعدام في توقيتات متقاربة جداً.

ولفتت المنظمات الإنسانية نقلاً عن شهادات ذوي المحكومين بالإعدام إلى أن بعض أحكام الاعدام نُفذت دون حضور محامي المدانين، وعدم ترشيح محامٍ منتدب من المحكمة، رغم أن المعتقلين وكلوا محامين على حسابهم، حتى إن أحكاماً أخرى جرت دون وجود طبيب يثبت حالة الوفاة. فقد ظهرت بعض ملامح التعذيب قبل الإعدام على جثامين بعض المحكومين، وثمة آخرون تبيَّن أنهم بقوا معلقين بحبل المشنقة لمدة طويلة.

عضو البرلمان رعد الدهلكي أقر سابقاً بوجود ملف التعذيب الممنهج داخل سجن الحوت جنوبي العراق، بعدما تحدث عن الإبادة الجماعية داخل السجن، مؤكداً أن السجناء يفكرون بـ”الانتحار” للتخلص من التعذيب.

أمّا لجنة “حقوق الإنسان” البرلمانية فقد أقرت هي الأخرى بأن أي رئيس للوزراء لا يكون جادًا في حلّ ملف السجون، على الرغم من أن العراق موقع على الاتفاقيات الدولية، وهو مساءل أمام المجتمع عن الخروقات في سجونه، وخلال زيارات السجون الحكومية حدد الكثير من النقاط، لكن عند إثارة ذلك تقف قوى سياسية معارضة لفتح ملف السجون، موضحة أن سجن “الحوت” تجرى داخله عمليات تعذيب للسجناء وابتزازهم، وأن هذه المعلومات تصل ضمن مناشدات ورسائل وطلبات، ورغم التواصل مع وزارتي العدل والداخلية من أجل منع هذه الانتهاكات، لكن لا يوجد أي تعاون في هذا الشأن.

ويبرر مسؤولون في وزارة العدل، بأن تنفيذ حكم الإعدام بحق المدانين بالجرائم، لا يُعلن أحياناً، تجنباً لأي مشاكل قد تحدث داخل السجن، حتى إن السجين أحياناً يُقاد إلى غرفة الإعدام وهو لا يعلم ماذا سيحدث معه بعد دقائق، لأجل منع أي حالة عصيان، والأمر لا يتعلق بالاحتجاج الإعلامي أو الشعبي على بعض الأحكام.

مفوضية حقوق الإنسان في العراق اقرت بأن السلطات الحكومية تتعمد التهرب من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية في سبيل تخفيف أحكام الإعدام عن متهمين ومعتقلين في السجون، وهذا يدفعها لاتباع السرية في تنفيذ أحكام الإعدام.

ولا توجد إحصائية رسمية لعدد السجناء في العراق، لكن أرقاماً متضاربة تؤكد أنها تقرب من المائة ألف سجين تتوزع على سجون وزارات العدل والداخلية والدفاع، إضافة إلى سجون تمتلكها أجهزة حكومية مثل المخابرات والأمن الوطني ومكافحة “الإرهاب” وميليشيا “الحشد الشعبي”، وسط استمرار الحديث عن سجون سرية غير معلنة تنتشر في البلاد وتضم آلاف المعتقلين.

وتعاني السجون الحكومية من إهمال كبير، وغياب للدور الرقابي من قبل الجهات الحكومية والجهات المسؤولة عن حقوق الإنسان، في وقت يجري الحديث فيه عن سيطرة بعض الجهات السياسية على السجون.

المصدر : واعد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى