تشريع عراقي مقترح يشعل صراعاً بشأن “القومية الأيزيدية”
14 يونيو 2024
أثار مُقترح تشريع برلماني عراقي بـ”استحداث القومية الأيزيدية”، وفصلها عن القومية الكردية، لغطاً، إذ رأت فيه الأوساط السياسية والشعبية الكردية محاولةً لاستضعاف الأكراد بتقسيمهم دينياً.
تقدم نايف خلف سيدو، النائب الأيزيدي عن محافظة نينوى، بهذا المقترح ووقّعه 182 نائباً عراقياً، ورُفع إلى نائب رئيس البرلمان محسن المندلاوي، مذيلاً بطلب توجيه اللجنة القانونية في البرلمان لإعداد مشروع “قانون القومية الأيزيدية” لتشريعه لاحقاً. ويرى سيدو أن مقترحه يستند إلى المادتين 3 و61 من الدستور العراقي، اللتين تؤكدان أن العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، واصفاً مقترحه بأنه أداةً لـ”إنصاف المكون الأيزيدي بعد ما تعرض له من إبادة جماعية”.
انقسام شعبي
انقسمت الأوساط الشعبية الأيزيدية على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن المُقترح، إذ رأى بعضها أن إقرار هذا القانون سيوفر المزيد من الضوابط القانونية والدستورية والإدارية للمجتمع والمناطق الأيزيدية، لتشييد حماية ذاتية لمناطق الأيزيديين وإنشاء مؤسسات سياسية وثقافية قادرة على حماية هوياتهم الدينية والثقافية، ومنع تحللها ووقف كل أشكال الإبادة التي تشن ضدهم، مثلما فعل تنظيم “داعش” في عام 2014.
على النقيض منهم تماماً، النخب والأفراد الأيزيديون المقربون من إقليم كردستان العراق، وكانوا تاريخياً جزءاً من الحركة القومية الكردية، صنفوا المقترح أداةً تشريعية لمناهضة القومية الكردية في العراق، وتقليص حجمها الديموغرافي، وعزل مناطق جغرافية واسعة يسكنها الأيزيديون عن باقي مناطق إقليم كردستان، وخلق شقاق سياسي واجتماعي وثقافي بين الأكراد على مختلف أديانهم وطوائفهم، مقارنين ذلك بالقومية العربية في العراق، المتوزعة على أديان وطوائف عديدة.
وعرض الناشطون والمثقفون الأيزيديون مجموعة من البراهين التي تُثبت أن الأيزيديين أكراد من حيث القومية، فاللغة الكردية هي الوحيدة التي يتحدث بها الأيزيديون في كل دول انتشارهم، والمكونات الثقافية والفنية الأيزيدية مرتبطة بالمكونات الثقافية والفنية الكردية، بل متداخلة معها ومطابقة لها. فالأغاني والحكايات الأسطورية والأشعار والمنظومة القيمية مشتركة بين الطرفين، غير الأسس التاريخية التي تُثبت أن الأكراد بمجموعهم كانوا أيزيديين، ثم اعتنقوا الإسلام في مراحل تاريخية متتالية.
صدمة نفسية وسياسية
يشرح الباحث والناشط المدني حسام شنكالي ما سمّاها الأبعاد السياسية لمثل هذا المقترح، بغض النظر عن الجدال الثقافي والمعرفي بشأن النظريات والأسس المعرفية، كون الأيزيدية قومية أم مجرد معتقد ديني. يقول: “ثمة إحساس في الأوساط السياسية العراقية المناهضة سياسياً وأيديولوجياً لإقليم كردستان بأن الأوساط الاجتماعية الأيزيدية تعيش نوعاً من الصدمة النفسية والسياسية جراء ما تعرضت له من أعمال إبادة، ولأجل ذلك، يعتقد بعضهم أن مثل هذه المشاريع ستلاقي آذاناً صاغية في أوساطهم، وستسمح فعلياً بإحداث شقاق في إقليم كردستان نفسه”، لافتاً إلى أن “مئات الآلاف من الأيزيديين يقيمون في إقليم كردستان، وتحويل هؤلاء إلى قومية جديدة يعني رفع الطابع القومي الغالب بالمطلق عن الإقليم”.
يضيف شنكالي: “لا ينفصل الأمر عن الصراع السياسي والأمني في منطقة سنجار، ذات الأغلبية الأيزيدية المطلقة. فدستورياً، هذه من المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية، وتخصيص الأيزيديين بقومية خاصة يعني خروج هذا الملف من الفروض الدستورية”. وبحسبه، سيؤخذ هذا الاقتراح “أداة لتفكيك المطالب والنفوذ الأمني للإقليم ضمن تلك المنطقة الحساسة، في المثلث الحدودي العراقي – السوري – التركي، وسيلغي فعلياً اتفاقية سنجار بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، التي تشرع الوجود السيادي للإقليم في المناطق الأيزيدية”.
تقلص عددهم كثيراً
يسكن الأيزيديون مناطق شاسعة من إقليم كردستان وغرب العراق، في شيخان وسنجار وتلعفر والحمدانية، حتى في داخل مدينة الموصل بمحافظة نينوى، ومثلها أقضية سيميل وزاخو في محافظة دهوك. لا أرقام رسمية عن أعداد الأيزيديين في العراق اليوم، لكن تقديرات ما قبل عام 2014 تشير إلى وجود نحو 700 ألف أيزيدي في العراق. لكن تعرضهم لإبادة جماعية على يد تنظيم “داعش” في عام 2014 قلص عددهم إلى حد كبير، فتُشير الأرقام غير الرسمية إلى وجود نحو 160 ألف أيزيدي راهناً في منطقة سنجار ومحيطها، فيما يعيش نحو 250 ألفاً آخرين في منطقة شيخان، وفي المخيمات بإقليم كردستان.
كان الحزب الديموقراطي الكردستاني تقليدياً صاحب النفوذ الأكبر ضمن الأوساط الشعبية الأيزيدية، وحاز الأغلبية المطلقة في التمثيل السياسي للأيزيديين في كل انتخابات جرت منذ عام 2003، تشريعية ومحلية.
إلا أن تحسين سعيد بك، أمير الأيزيديين، كان مقرباً من زعامة الحزب من آل بارزاني، ومن أهم داعمي الحركة التحررية الكردية تقليدياً. لكن منذ عام 2014، تم تحجيم نفوذ الإقليم في المناطق الأيزيدية، ومنعت تنظيماته ومؤسساته الخدمية عن العمل في تلك المناطق، فيما تسيطر تنظيمات مسلحة مقربة من حزب العمال الكردستاني وأخرى من الحشد الشعبي على مناطق كثيرة ذات أغلبية أيزيدية.
*النهار العربي