الترويج بـ”مفاتن” النساء.. دعاية مقبولة أم استغلال وانحراف؟

22 أغسطس 2023
في ظاهرة غير مألوفة داخل المجتمع العراقي، برز جسد المرأة بقوة كمادة إعلانية لعمليات الترويج في الكثير من صفحات وحسابات التواصل الاجتماعي التابعة للمتاجر وشركات بيع وإنتاج الملابس والحُلي في بغداد، وخصوصا ملابس النوم أو الداخلية.
وعادة ما تنفجر تلك الصفحات بالكثير من التعليقات، التي تركز على مفاتن الفتيات والنساء المستعرضات دون الحديث أو السؤال عن المنتجات المعروضة، وهو ما تراه متاجر نجاحا تسويقيا، في مقابل من يعتبر هذا النوع من الدعاية ابتذالا و”جريمة” يعاقب عليها القانون.
وحول الظاهرة، يتحدث سيف الكاهجي (37 عاما)، وهو صاحب شركة تسويق، عن أن “إظهار النساء في ملابس داخلية، يعتبر تسويقاً ناجحاً بالنسبة للشخص الذي يعرض هذا النوع من البضاعة، لإثبات أن بضاعته عُرِضَت على جسد حقيقي، وليس وهميا، لاسيما وأنه جسد مثير لفتاة جميلة، ما قد يدفع الفتيات والنساء الأخريات على التشبه بهن”.
ويوضح الكاهجي، أن “هذا النوع من التسويق، ناجح من الناحية التجارية، لكنه يصطدم بأخلاق وعادات المجتمع وتقاليده، فبالمقارنة نجد أن الشركات التي تهتم بالانتشار عبر أيّ من وسائلها المعتادة، والتي من بينها الاستعراض بجسد المرأة، تحقق الانتشار الذي تهدف إليه، في حين لا تحقق نظيراتها الانتشار ذاته”.
يشار إلى أن وزارة الداخلية، سبق وأن اطلقت حملة للحد من المحتوى الهابط، وشملت فيها أصحاب الإعلانات التي تنطوي على مشاهد مخلة بالحياء مثل استعراض أجساد النساء والتركيز على مفاتنهن.
يذكر أن التنافس بين الأعمال التجارية بلغ ذروته في العراق، سواء على مستوى المطاعم أو المتاجر بمختلف المهن، نظرا لكثرتها وانتشارها بشكل كبير، ما دفع كل صاحب محل أو شركة إلى اتباع أساليب مختلفة للترويج لبضاعته.
وهناك جوانب مختلفة أخرى من الترويج، لا تستثني “اليوتيوبرز” من النساء المشهورات، وهؤلاء على أنواع، فمنهن من تهتم بالمطاعم، وهي الفئة الأكثر انتشارا، ومنهن من تهتم بالترويج لمحال الملابس النسائية ومواد التجميل وغيرها.
وأغلب المنشورات التي تستعرض أجساد النساء، يواجهها العديد من مستخدمي التواصل الاجتماعي، بالتوبيخ، وفق ما يقوله المدون علي أحمد (45 عاما).
ويضيف أحمد : “أخشى على أبنائي من أن يشاهدوا محتويات هذه الإعلانات، فصاحبها يلجأ إلى هذه الأساليب المبتذلة من أجل تحقيق منافع شخصية له، والحصول على تفاعل يسهم بأن يصل منشوره إلى أكبر عدد ممكن من المستخدمين”.
ويشدد على “إشاعة ثقافة الإعلان عن المنتجات بالطرق الأفضل، التي تواكب رغبات المجتمع واحتياجاته، دون اللجوء إلى تعرية النساء بالطريقة الفضيحة”.
يلاحظ أن أغلب التعليقات على صفحات هذه المحال، ابتعدت عن المنتج من الملابس أو السؤال عن المقاسات والألوان أو الأسعار، بل باتت تدور حول تلك الفتيات والتغزل بهن، وانتظار الفيديو المقبل لكل واحدة منهن، وماذا سترتدي فيه الفتاة.
ويذهب أحمد وئام (41 عاما)، وهو مدير شركة تسويق، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “المجتمعات الغربية تسمح باستخدام الجنس وجسد المرأة في الدعايات، لكن طبيعة المجتمع العربي لا تتلاءم معها”.
ويضيف وئام، أن “مجتمعنا بدأ يتأثر بثقافة الترويج الغربية عبر النساء أو الإيحاءات الجنسية”، موضحاً، أن “دراسة التسويق في جامعة لندن، شرحت هذا النوع من التسويق، ولكنه يُستخدم في أماكن معينة، ويصعب تطبيقه في المجتمع العراقي”.
ويبين أن “التسويق، يجب أن يلامس ثقافة وبيئة المجتمع المستهدف لترويج البضاعة، وأي اختلاف في طريقة الترويج، فإنها ستضر بالمعلن أكثر مما تنفعه”.
وفي أحد مقاطع الترويج التي اتبعها أحد باعة الملابس الداخلية للنساء، كان عبارة عن بث مشاهد لفتيات يستعرضن أمام الكاميرا وهن يرتدين هذا النوع من الملابس الفاضحة.
استغلال النساء “جريمة”
طرق التسويق هذه، تعد “جريمة”، يعاقب عليها القانون، وفقا للأكاديمية والناشطة في مجال حقوق الإنسان، بشرى العبيدي، التي ترى أن “ضعف” تطبيق القوانين، يشجع الجاني على الاستمرار بطريقة تسويقه.
العبيدي تقول أن “استغلال النساء يعد جريمة مذكورة في المادة 37 من الدستور العراقي، تلك التي تتعلق بحظر استغلال النساء والأطفال، وهي مذكورة أيضا في قوانين مكافحة الاتجار بالبشر، والعقوبات العراقي، والعمل، وما يحدث جريمة استغلال للنساء”.
وتوضح، أن “الاتفاقيات الدولية التي انضم إليها العراق، حظرت أشكال الاستغلال ضد النساء، والعراق ملزم بمكافحة هذه الظاهرة التي شاعت في المجتمع العراقي”، مشددة على ضرورة “ملاحقة الجهات المختصة، مرتكبي هذه الجريمة، ومراقبة الوسائل التي يستخدمونها”.
وتؤكد، أن “التوعية المجتمعية ضرورية جدا في هذا المجال، فمثل هذه الأفعال تأتي من خلال أشخاص متهورين لا يدركون معنى كون هذا الفعل جريمة، وبعضهم ضعاف نفوس، يمارسون مثل هذه التصرفات لاستحصال الأموال وتحقيق ملذات شخصية لهم”.
وتضيف، أن “المسؤول عن هذه الظاهرة، هو ضعف التطبيق في القوانين المذكورة، الذي يسمح في الإفلات من العقاب، كما أن بعض العقوبات لا تكون رادعة، وهذا السبب سيدفع إلى الاستمرار بارتكاب مثل هذه الجرائم”، مشيرةً إلى أن “التدخلات السياسية والعشائرية تكون حاضرة حين يُحاسب مرتكب هذا الفعل، وبالتالي تنفع الجاني، وتضر بالمجنى عليه”.
جدير بالذكر، أن وسائل التواصل الاجتماعي، تحولت في العراق إلى الطريق الأسرع لتحقيق أي هدف، والأمر لا يقتصر على الإعلانات كما يجري في بلدان العالم، بل باتت منصة لإيصال المناشدات وتحويلها إلى قضية رأي عام، من قبل أي شخص أو موظف يتعرض لأي موقف ويطلب مساعدة الدولة.