تقارير وتحقيقاتمنوعات

الحرية الصحفية في العراق بعد 2003: مكسب في خطر

4 أكتوبر 2024

جنان السراي

يعد هامش الحرية المتاح للصحافة في العراق أحد أبرز المكاسب التي تحققت بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، حيث لمس العراقيون انفراجًا ملموسًا في حرية التعبير، ما أتاح للصحافة أداء دور فاعل ومؤثر في مختلف المجالات.

إلا أن هذا الهامش بدأ يتقلص تدريجيًا مع تصاعد ممارسات التضييق، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد تعرض الصحفيون خلال السنوات الماضية لسلسلة من التهديدات والاعتقالات والاغتيالات، ناهيك عن إغلاق مؤسسات إعلامية واقتحام مقارها، في انتهاكات صريحة للقانون.

وفي وقتٍ سابق، حُجب مواقع مثل “الترا عراق” و”حدود” وغيرها من المنصات الإعلامية بطريقة سرية، وبالرغم من عدم وجود تفاعل شعبي كبير حول هذه الخطوات، إلا أن الوضع أخذ منحى مختلفًا بعد إعلان مؤسسة “ABC عربية” الإعلامية عن حجب موقعها، ما أثار تفاعلاً واسعاً على المستويين السياسي والشعبي.

هذا التفاعل دفع بعض أعضاء مجلس النواب العراقي إلى التحرك باتجاه القضاء لاستجلاء الحقائق، حيث تقدم رئيس كتلة الجيل الجديد في مجلس النواب العراقي، سروة عبد الواحد، باستفسار إلى هيئة الإشراف القضائي بشأن مدى اختصاص وزارة الاتصالات باتخاذ قرارات الحجب.

وردت هيئة الإشراف القضائي بشكل واضح على استفسار عبد الواحد، مؤكدة أن وزارة الاتصالات ليس لها الصلاحية القانونية لاتخاذ قرارات حجب أو غلق الوكالات والقنوات الإعلامية. وأشارت عبد الواحد، في تدوينة لها، إلى أن “الهيئة أجابت على استفسارنا الموجه لمجلس القضاء الأعلى حول حجب وغلق الوكالات والقنوات الإعلامية من قبل وزارة الاتصالات”، مؤكدة أن “الهيئة شددت على أن وزارة الاتصالات غير مختصة بهذه القرارات”.

وأوضحت الهيئة أن “قرارات وزارة الاتصالات تعتبر باطلة وغير قانونية، ويمكن الطعن فيها خلال فترة 30 يوماً من صدور القرار، ما يفتح المجال أمام الجهات المتضررة للطعن في هذه القرارات أمام القضاء”.

هذا الأمر لا تعارضه وزارة الاتصالات بشكل علني، حيث أكدت في معرض ردها على الانتقادات الموجهة لها أنها جهة تنفيذية تعمل على إغلاق المواقع بناءً على القرارات القضائية.

علي شغاتي، مدير الأخبار في وكالة “ABC عربية”، انتقد بشدة حجب موقع الوكالة، واصفًا الإجراء بأنه “غير مستند إلى أي قاعدة قانونية”. وأوضح شغاتي أن “القانون ينص بوضوح على التنويه والإخطار، ثم الغرامة والاعتذار، وصولًا إلى الإغلاق، دون أي إشارة إلى حجب المواقع أو منع الوصول إليها”.

وأشار شغاتي إلى أن الوكالة قد لجأت إلى القضاء لمواجهة هذا الإجراء التعسفي، مما أدى إلى استدعاء بعض كبار موظفي وزارة الاتصالات للتحقيق.
وأوضح شغاتي أن “عمليات حجب المواقع تزايدت بشكل ملحوظ”، مشيرًا إلى أن “غياب الرقابة البرلمانية الفعّالة هو أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى تصاعد هذه الانتهاكات”.

وتابع قائلاً إن هذه الإجراءات ليست سوى البداية لتعسف أكبر، موجهًا انتقادًا لوزارة الاتصالات التي بررت حجب موقع الوكالة بأنه جاء بناءً على أوامر عليا، مما يعكس غياب الاستقلالية”، وفقاً لقوله.
وأضاف أن “تلك الممارسات تلحق ضررًا بالغًا بالعمل الصحفي وتقيد الحريات الإعلامية”، متوقعًا مزيدًا من التعسف في المستقبل”.

وأشار إلى أن “قانون حق الحصول على المعلومات، رغم أهميته، قد يُستغل كذريعة لفرض المزيد من القيود تحت غطاء سرية المعلومات، مما قد يؤدي إلى ملاحقة الصحفيين وحتى اعتقالهم”.

هيئة الاعلام توضح
من جانبه، أكد المتحدث باسم هيئة الإعلام والاتصالات، نجم العلاق، أن الهيئة تتابع بشكل مستمر المحتوى الإعلامي الذي يبث عبر المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة، بما في ذلك منصات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت بشكل عام.

وقال العلاق، إن “هذه المتابعة تستند إلى لائحة قواعد البث الإعلامي، والتي تتضمن معايير تنظم قطاع الإعلام في البلاد”، وأشار إلى أن “اللائحة تتضمن بنوداً تتعلق بمنع التحريض على العنف والكراهية، وحماية السلم الأهلي والوطني، بالإضافة إلى مراعاة الآداب العامة والذوق العام، والابتعاد عن نشر المعلومات الكاذبة”.
كما أكد على “أهمية الدقة والنزاهة والشفافية في نقل المعلومات، ومراعاة حق الخصوصية في التغطيات الإعلامية”.

وكشف المتحدث عن تواصل الهيئة المستمر مع شركات التواصل الاجتماعي الكبرى مثل “ميتا” و”جوجل”، وأنه في حال رصد أي مخالفة في المحتوى المنشور على هذه المنصات أو عبر المنافذ الإعلامية المرتبطة بها، تقوم الهيئة بتوجيه خطابات رسمية لهذه الشركات لسحب المحتوى الذي يروج للإرهاب أو يهدد السلم الأهلي والوطني.

تقييد مرفوض
المتحدث بأسم مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية، معتز عباس، فيرى أن حجب المواقع الصحفية، مواقع التواصل الاجتماعي، أو الوكالات والصحف والقنوات الفضائية، هو تقييد مرفوض للحريات الصحفية وانتهاك لحقوق الإنسان.

وأكد عباس، أن هذه الإجراءات “تندرج ضمن قمع الحريات وممارسات غير صحيحة تهدف إلى تكميم الأفواه ومواجهة الإعلام الحر، بما في ذلك الصحفيين والناشطين المدنيين الذين يطالبون بدولة تؤمن بالاستقرار والحرية”.

مشددًا على “رفض أي محاولات تهدف إلى تقويض الحريات أو حجب الوكالات الصحفية ومواقع التواصل الاجتماعي على المواطنين، أو إغلاق الصفحات التي تحمل آراء مخالفة لأصحاب القرار”.
وأشار عباس إلى المخاوف من أن يؤدي هذا التضييق على الحريات إلى الانسحاب على مساحات وقطاعات أخرى”، مؤكدًا على “أهمية الإسراع في إقرار قانون حق الحصول على المعلومات بما يتماشى مع الملاحظات التي قدمها الصحفيون والمنظمات المدنية”.

واختتم أن هذا القانون يمثل “ضمانة لعدم المساس بالحريات الصحفية والإعلامية، وهو ضروري جدًا لحماية المؤسسات الصحفية”.

ووفقاً للمعلومات المتوفرة، فإن قضية حجب المواقع لا تزال قيد التحقيق بعد أن رفعت مؤسسة “ABC عربية” دعوى قضائية ضد مدير شركة السلام في الوزارة. وقد تم استدعاؤه لتدوين أقواله، ثم أفرج عنه بضمان مكان عمله.

هذه التطورات تثير تساؤلات حول مدى التزام مصادر القرار بالإطار القانوني في قراراتها المتعلقة بحجب المواقع، وتضعها تحت مجهر الرقابة البرلمانية والقضائية في ظل الاتهامات المتزايدة بمحاولة تقييد حرية الإعلام والتعبير في العراق.

التقرير بدعم من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية UNDEF ومؤسسة صحفيون من أجل حقوق الإنسان jhr

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى