مريم نرمة ؛ رائدة الصحافة النسوية في العراق
11 تموز 2024
تعد مريم نرمة هي أول وأقدم صحافية عراقية، وأسمها( مريم نرمة رفائيل يوسف رومايا،) ولدت في( بغداد) في (3 نيسان 1890)م، وقيل في عام( 1885)م، وأصل أسرتها كلداني من مدينة (تلكيف)،
واسم( نرمة ) هو كلمة( فارسية ) تعني ( لطيفة،) ودخلت المدرسة الابتدائية وأنهتها في عمر (12 ) سنة، اذ كانت تسكن دارا في محلة (القاطر خانة ) والتي هي اليوم مبنى (الثانوية الجعفرية) في شارع( الوثبة)، وكانت متفوقة في المدرسة وبدأت تكتب المقالات الاجتماعية في الجرائد والصحف بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في بداية القرن العشرين،
ثم أشتغلت في مهنة التعليم، وتزوجت (منصور كلوزي) الموظف في دائرة الكمارك عندما بلغت الثالثة والعشرين من العمر، وكانت والدتها قبل زواجها تريد منها أن تتعلم الخياطة والتطريز وأن تكون راهبة، وعرفت بالتدين وقراءة الكتب الدينية والتأريخية والإنجيل، وقد أهدت معظم كتبها التي جمعتها إلى المعهد الديني الكهنوتي للطائفة المسيحية.
الكتابة
بدأت مريم نرمة الكتابة في مجلة (دار السلام) في عام (1921 ) م وكانت تعمل في جريدة (المصباح ) ونشرة الأحد، وأصدرت جريدة (فتاة العرب) في عام( 1937) م التي قدمتها خدمة للمجتمع النسائي، وصدر من هذه الجريدة (25) عددا في ستة أشهر وكان العدد الأول منها عددا ممتازا يحتوي على (16 ) صفحة وبقية الأعداد تحوي( 8 ) صفحات وكان طابع الجريدة اجتماعيا، كما وُصفت وكتب عنها لغرض الإصلاح والإرشاد للمرأة العراقية.
وتعتبر نرمة أول امرأة عراقية طالبت بحقوق المرأة العراقية، وكانت تحرص على انتقاد الفتيات من أجل إصلاحهن وكتبت مقالا في مجلة (نشرة الأحد) عنوانه حلم الربيع وكان مقالا طويلا نشر في (11 ) صفحة انتقدت فيه مدرسة الراهبات لارتداء طالباتها الأزياء العصرية.
ولقد سكنت منطقة الكرادة الشرقية في( بغداد ) ووضعت لوحة على باب دارها كتب عليها فتاة العرب. ولديها مذكرات مخطوطة جاهزة للطبع وهي في مجلدين كل مجلد يحتوي على (250 )صفحة، يتضمن الأول مذكراتها العائلية والسياسية والأدبية والثاني رأيها بالصحافيين العراقيين.
ولقد كرمتها وزارة الثقافة والإعلام العراقية في عام( 1969)م لأنها من رائدات الصحافة النسائية وذلك في اثناء الاحتفال بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس الصحافة العراقية وصدور جريدة الزوراء.
نهضة المرأة
لقد كانت( مريم نرمة ) في مقدمة الداعيات إلى نهضة المرأة العراقية وتعلمها، ونشرت في عام (1924 ) م مقالاً في مجلة (المصباح البغدادية ) بعنوان( العيشة الزوجية)، قسمتها إلى قسمين (هنية وشقية) وقالت إن العيشة الهنية ترتكز على الحب والطاعة والعفة والصفات المحمودة والأخلاق الحسنة وقالت إن سعادة الزواج تكون بالمحبة واتحاد الزوجين بقلب واحد ونفس واحدة ، وصاحب الأخلاق الراقية يجب أن يكون معلما حاذقا ومديرا نشيطا لزوجته يجد ويجتهد لإعالة زوجته وأولادهِ.
لقد أرتأت أن تكون الزوجة تلميذة ذكية فطنة تسمع نصائح زوجها وتنفذ أوامره وتقوم بجميع أعمال منزلها وتربي أولادها خير تربية وتمارس الاقتصاد لتكون زوجة صالحة وأما فاضلة، ووصفت الشقاء الزوجي وما يلاقيه من القسوة والشراسة والعجرفة لا سيما لدى العوائل التي قامت على الزواج طمعا بالمهور العالية أو شغفا بالجمال الزائل والمحبة الفاسدة
ولم تبخل في نهاية الأمر بنصائحها في الزواج وتكوين الأسرة الصالحة القائمة على الاخلاق والحب والفضيلة.
أول مقال..
في مقالة بعنوان (أول مقال صحفي لامرأة عراقية مريم روفائيل يوسف رومايا “نـرمـة”) يقول الكاتب “د. رياض السندي”: “على الرغم من أن “المس بيل” قد دخلت عالم الصحافة في العراق قبل الأخريات، إلا أنها- وعلى ما يبدو- لم تحرر شيئا سواء في صحيفة العرب أو مجلة الخزانة، حيث اقتصرت مهمتها على رئاسة التحرير والإشراف الفعلي على إدارة سياستها وتوجيه كتابها والعاملين فيها. ونتيجة البحث والتقصي الدؤوب في معظم الصحف والمجلات الصادرة في العراق آنذاك فقد اهتدينا إلى أول مقال كتبته امرأة في العراق وهو بعنوان (إلى طائفة من العراقيين) والموقع باسم مستعار هو (كلدانية عربية عراقية) والمنشور في مجلة دار السلام البغدادية، التي كان يصدرها المرحوم الأب انستاس الكرملي في عددها 11 من المجلد الرابع – السنة الرابعة والصادر في 29 آيار 1921، جاء فيه:
“إذا أردتم أن تعرفوا رقٌي أمة فانظروا إلى نسائها (نابليون)، وتحقيقا لذلك راجعوا تاريخ العالم الماضي والحاضر، فأنكم ترونه يفصح لكم عن منقلب أمم وقبائل شتى منها متمدنة ومنها جاهلة، منها مجتهدة قوية ومنها خاملة ضعيفة. ثم انعموا النظر في الضعيفة منها تروها لم تفد المجتمع البشري فائدة تذكر، فهي مجردة من صفات المدنية وقد أحاط بها الخذلان والجهل لجهل نسائها. وأما تاريخ الأجيال القوية فأنها قد أفادت الألفة بما أفاضت عليها من جلال النعم والمبرات الكبرى فدفعتها إلى الأمام منقادة إلى النجاح بفضل رجالها العظام الذين لم ينشئوا إلا في أحضان الأمهات التي هي المدارس الأولى للأطفال.
ومثل هذا القول قل عن الأمم المعاصرة لنا من رفعة في القدر، ومن منحطة في السعي، فإنها كلها تفصح لك عن أن الأمة التي تتركب من عنصري متساعدين متناصرين هما عنصر الذكر وعنصر الأنثى على هذه الصورة أنشأتهما الطبيعة، ولهذه الصورة يفلحان وينجحان””.
ويضيف: “وهو المقال الذي ادعته مريم نرمة لنفسها أثناء اللقاء الصحفي الذي أجرته معها مندوبة جريدة الجمهورية البغدادية ليلى البياتي في الملحق الأسبوعي للعدد 470 في 41/6/1969عشية تكريما من قبل وزارة الإعلام العراقية كرائدة للصحافة العراقية بمناسبة العيد المئوي للصحافة في العراق، وبذا يكون هذا المقال أول مشاركة للمرأة العراقية في تاريخ صحافة العراق، مالم تثبت الأيام لاحقا خلاف ذلك، لاسيما وأنه قد مضى قرابة مئة عام دون أن يدعي أحد عائدية المقال له، وتكون السيدة مريم نرمة أول امرأة عراقية تلج عالم الصحافة، وتستحق بجدارة لقب (أول صحفية عراقية)، لاسيما وقد عثرنا في صحافة العراق ما يعزز هذا الرأي في مقال لمريم نرمة بعنوان (يوسف القديم ويوسف الجديد) والمنشور في مجلة نشرة الأحد، السنة الأولى، العدد 12 في 19 آذار 1922بتوقيع (مريم نرمة الكلدانية العراقية) لتغيره فيما بعد إلى (أختكم مريم نرمة الكلدانية) ثم (مريم نرمة الكلدانية) في كتابات لاحقة، ليستقر لقبها أخيرا باسم (مريم نرمة) وهو ماعرفت به لاحقا طيلة حياتها واعتمدته في جميع كتاباتها”.
وأخيرا: “ولم يكن مصير نرمة بأفضل من معاصرتها بولينا حسون، فقد واجهتها ظروف صعبة وتحديات جمة في مقدمتها الصعوبات المالية التي بلغت 45 ليرة ذهب- بحسب قولها. فاضطرت إلى التوقف بتاريخ21 تشرين الأول 1937، إلا أنها اختلفت عن معاصريها ورفيقاتها في طريق الصحافة النسوية في أنها لم تترك وطنها وبقيت في العراق وماتت ودفنت فيه. وربما يعود ذلك إلى صلابتها أولا، وفي تجنبها الدخول في مسائل حساسة لايقبلها المجتمع كالحجاب الذي التزمت به حتى أخر يوم في حياتها، بل ركزت على مسألة تعليم المرأة”.
توفيت في بغداد عام 1972 م