حليمة صيادة الأهوار.. هكذا خطف الجفاف رزقها

فاطمة أبو هارون _ بغداد 18 يوليو 2023
“عندما تعود مياه الأهوار سأعود لصيد السمك من جديد”، هكذا قالت حليمة السوادي المعروفة باسم “صيادة الأهوار”، في منطقة الجبايش بمحافظة ذي قار، جنوبي العراق.
ظلّت حليمة (37 عاما) تمارس الصيد، كوسيلة للرزق لأكثر من 11 عاماً، وبرغم الجفاف الذي ضرب الأهوار، من جرّاء تراجع مناسيب المياه إلى الحد الذي دفع آلاف العوائل إلى الهجرة من مناطق الأهوار نحو مراكز المدن، إلا أنها ما زالت تأمل بعودة المياه إلى سابق عدها كي تعود هي الأخرى إلى رزقها ومتعتها.
تقول حليمة إنها “بدأت رحلتها مع الصيد منذ بدايات شبابها، وأنها كأي امرأة أخرى، كانت تريد حياة بلا إذلال، لذلك اختارت هذه المهنة”، مبينة أنها “كانت تذهب للصيد من الفجر حتى الليل، في حين أن كثيراً من الصيادين لم تكن لديهم الشجاعة للبقاء بعد غروب الشمس، وبعد فترة تمكنت من أن تصبح واحدة من أشهر تجار الأسماك في الجبايش”. وتستذكر الأيام الخوالي، بالقول إن “مياه الأهوار كانت عميقة، وكانت حياتنا رغم بساطتها سعيدة، وكل سكان الأهوار بوجوههم المشرقة، يعملون في مجالات مرتبطة بالمياه، حتى أن السنوات الأخيرة شهدت حركة سياحية جيدة، زادت من فرص الرزق والعمل في الأهوار، لكن مع تعاظم الجفاف، باتت الحياة شبه مستحيلة، فقد هاجرت العوائل التي تعتمد على الصيد وتربية الجاموس والمواشي، إلى المدن”.
كانت حليمة قد شغلت أهالي الأهوار، بكونها المرأة القوية التي تعمل في مجال لا تلجأ له النساء، لدرجة أنها لُقبت بـ”زعيمة الأهوار”، فقد كانت تتسابق وتتحدى الرجال في صيد الأسماك، رغم ذلك، فإنها بقيت تعاني كما نساء العراق، من المصاعب والعقبات في سوق العمل مع الرجال، لا سيما وأن جنوبي العراق قد يكون أشد من غيره من مناطق بلاد الرافدين، من ناحية العادات والتقاليد التي تقضي أحياناً بالتضييق على المرأة في مجالات الأعمال الحرة.
تعرضت الأهوار للجفاف، وهي المسطحات المائية، تتفرد فيها طبيعة العراق، تستمد مياهها من نهرَي دجلة والفرات بصورة رئيسية، وتمتدّ في محافظات ذي قار وميسان والبصرة والمثنى ومناطق حدودية مع إيران، ومن أبرزها: أهوار الجبايش والحمّار والشيب والدجيلة، ويعيش أهلها حياة استثنائية بالمقارنة مع حياة بقية العراقيين، من ناحية البساطة وخصال الكرم والاحترام، وما يميز الأهوار أنها تضم أنواعاً من الطيور النادرة، والأسماك والنباتات المائية ونبات القصب والبردي.
تفيد حليمة، بأن “الأسماك تعتبر أهم مصادر العيش لسكان الأهوار، وبغياب المياه غاب هذا المصدر المهم، وصارت معاناتنا كثيرة وكبيرة”، فيما وصفت حال سكان الأهوار، بأن “الجفاف حرق أرواحهم، وأن معظهم يمرون بحزنٍ كبير وفقر لما يتعرضون له حالياً من تراجع الوضع الاقتصادي والمعيشي”.
وسبق أن أعلن وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي، في بيان رسمي “شمول كلّ الأسر في الأهوار بالحماية الاجتماعية، وهو ما يعني تصنيفهم فقراء، وبالتالي يوجب على الحكومة دفع مخصصات إعانة شهرية لهم”، وجاء هذا القرار بعد عملية البحث الاجتماعي الذي أجرته وزارته للمناطق الأشدّ فقراً، من ضمنها قضاء الجبايش في محافظة ذي قار.
وأوضح الأسدي أن “الأهوار التي تمثّل أصل الحضارة في البلاد تعاني من قسوة الحياة، وباعتبارها منطقة منكوبة لشدّة الجفاف فيها”، مؤكداً أنّ “وزارة العمل، ومن خلال هيئة الحماية الاجتماعية، ستعمل على شمول كلّ العوائل الموجودة في قرى وأرياف مناطق الأهوار ونواحيها بمظلة الحماية الاجتماعية، خصوصاً أصحاب الجاموس والصيادين الذين توقّفت سبل عيشهم نتيجة جفاف المياه”.
وتعاني الأهوار العراقية، من جفافٍ قاسٍ أدى إلى توسع المساحات اليابسة، ودفع بذلك إلى ولادة ظاهرة التصحّر فيها، رغم أنها لم تمر بهذه الأزمة منذ قرون، فيما يتهم متخصصون وناشطون في مجال البيئة، الحكومات العراقية بسوء إدارة أزمة المياه، وتعمد تدمير البيئة، والتساهل مع إيران وتركيا في حرمان البلاد من حصصه المائية.
• نشرت هذه المادة الصحفية بدعم من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية UNDEF ومؤسسة صحفيون من أجل حقوق الإنسان.
المصدر : المدى