المرأة والمجتمع المدني

هل يندم قاتل النساء ؟ نظرة على جرائم الشرف في القانون العراقي

فاتن خليل _ العراق

7 أغسطس 2023

” ديروا بالكم تلحگوها ” .. هذا ما قاله أخي حين عاد من دفن أختي في مكان مجهول، أختي كانت طالبة مجتهدة ومحبوبة، لكنها كانت طيبة القلب تمنح ثقتها للأشخاص الغير مناسبين .وهذا ما حدث مع حبيبها الذي استدرجها، وأبتزها بنشر صور شخصية لها ، ووصلت الصور لأخي الذي لم يتأخر في قتلها دون أن يسمع منها.

كان هذا جزء من شهادة مؤلمة لشقيقة إحدى ضحايا الشرف في مدينة البصرة، وتفتح سؤالاً قاسياً وجدلياً في الشارع العراقي، كيف يمكن لمرتكبي هذه الجرائم عدم الشعور بالندم؟


لأسباب مختلفة تؤمن الأسرة في مجتمعاتنا أنها المالك الحصري لجسد المرأة وأن أي خطأ يبيح قتلها بدم بارد ، دون رمشة عين، وهكذا يهدر الرجال دم النساء ، ولم يعد الزنا وحده سبباً لقتلهن ، بل تتسع المبررات إلى الاختلاط مع المجتمع.

كشفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أنّه منذ 1991 تعرضت حوالي (4) آلاف امرأة وفتاة في العراق لجرائم القتل بسبب الشرف

وتعد جرائم الشرف من أكثر الجرائم المنتشرة في العراق، فيما فشلت كل المحاولات التي سعت إلى تعديل المادة من القانون التي تمنح القاتل عذرا يخفف العقوبة .

ولأن كثيرين من مرتكبي هذه الجرائم لا يشعرون بالندم، ويعتبرون أن أفعالهم مرتبطة “بالكرامة والشرف ” وفقا لمحققين وضباط، فإن المجتمع وأوساط القضاء والتشريع تتجنب الاستجابة لحملات تعديل القانون العراقي ” لأن سلطة التقاليد تتفوق دائما على رياح التغيير، التي تسود العالم المتمدن.

لا أحصاء لعدد جرائم الشرف المرتكبة في العراق، كيف تفاقمت في السنوات الماضية، لكن وسائل التواصل الاجتماعي اظهرت قصصا مؤلمة ، جرى التعتيم عليها خوفًا أو تأييدا.

لكن المتغير الذي فرضه العالم الرقمي في العراق، شجع النساء من صديقات الضحايا أو الناشطات المهتمات على نشر قصص الضحايا، بأمل أن تتحول تلك الجرائم إلى قضية للرأي العام ، لكن الترند يختفي دون أثر أو رد فعل مجتمعي وقانوني.

أن جرائم “غسل العار” منتشرة في كل مناطق العراق، و ان الارقام الظاهرية تعلن ان هنالك ما لا يقل عن 150 فتاة او امرأة تقتل سنوياً بسبب جرائم الشرف.

المتحدث باسم المفوضية السابقة لحقوق الإنسان علي البياتي

زهراء ، وهي قريبة احدى ضحايا جرائم الشرف في بغداد تقول إن ” الضحية هربت مع حبيبها بعد أن وعدها بالزواج، لكنها عادت إلى أسرتها بعد ثلاث أيام ليقتلها عمها، بعد أن حصلوا على ثمانين مليون دينار كفصل عشائري من أهل الشاب، فيما لم تحقق الشرطة مع القاتل أو تقبض عليه، لكنه توفي لاحقا في أعراض فيروس” كوفيد 19 ” .

في حادثة أخرى تقول جارة إحدى الضحايا في محافظة ذي قار ” إنها كانت إنسانة طيبة القلب ، وعمامها رفضوا زواجها ممن تحب، فتزوجته سرا وحملت بطفله وحين علموا أعطوها الأمان، وما أن عادت إلى المنزل وتناولت وجبة طعام أخيرة معهم ، صعقوها بالكهرباء بينما كانت تغط في نوم عميق.

تقول الجارة ” لم أستطع النوم من يومها وهي تتخيل جارتها مقتولة وفي أحشائها طفل لم ير النور ” .

يقول قاضي محكمة الرصافة فراس حميد عودة، أن وفقا لتقرير مجلس القضاء الأعلى في وقت سابق، فإن ” جرائم الشرف من أكثر الجرائم خطورة على المجتمع، كونها تمس الأسرة وارتكابها يؤدي إلى التفكك والانهيار دون شك ” .

ومنحت القوانين الوضعية مرتكب جريمة القتل بدافع الشرف، وهو من أشكال القتل العمد، عذرا قانونيا مخففا أو ظرفا قضائيا بحجة أن الجاني أثناء ارتكاب الجريمة يكون تحت ضغط نفسي كبير يدفعه الى ارتكابها.

أصبحت كثير من جرائم القتل الموجهة للنساء ينتهي بها الى الغلق اما بعدم الإخبار عنها من قبل الاهل أو بفبركة الشهادات والأقوال قضائيا مع اخفاء الأدلة أو تزييفها بغية تضليل القضاء سيما وأن الشهود الوحيدين هم الاهل أو الأقارب

سارة جاسم_ مدافعة عن حقوق الإنسان

المحامي ميثم الخلخالي، يقول أن ” التغيير يحتاج الى تعديل قانون العقوبات العراقي، الذي تم إقراره عام 1969 ، بما يتناسب مع روح العصر وتحولات المجتمع ” .

ورغم اعتراض النشطاء والناشطات على هذا القانون الذي يعتبره الجناة ” طوق نجاة ” بعد أرتكابهم هذه الجرائم لكن شيئا لم يتغير، سوى أن أعداد الضحايا في تزايد مستمر.

وبحسب تقرير لموقع ” دويتشه فيلا ” ، فإن أكثر من خمس الاف شخص ، غالبيتهم من النساء، وقعوا ضحية لجرائم القتل التي تُرتكب باسم حماية الشرف، في أجزاء مختلفة من العالم كل عام.

وذكر تقرير المقرر الخاص لمجلس حقوق الإنسان الصادر في تموز 2018 ، أنه ” رغم عدم معرفة عدد جرائم الشرف في العراق، فإن التقديرات تشير إلى وقوع مئات من الفتيات والنساء ضحايا لها، فيما يجري التبليغ عن عدد كبير منها على أنها حوادث انتحار ” .

في إقليم كردستان، فإن تقارير منظمات دولية تشير إلى وجود مقابر خاصة بنساء قُتلن على أيدي أفراد من عوائلهن ، ولم يتم التعرف إلى هوياتهن، إذ لا تضم شواهد القبور أسماء الضحايا، بل مجرد أرقام ومعلومات عن مكان الجريمة وزمانها.

ومع ذلك فإن أقليم كردستان يختلف عن باقي مدن العراق في التعامل مع جرائم الشرف، إذ يتخذ من المادة 406 من قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969 مرجعاً له ، والتي تقر بعقوبة الإعدام أو السجن المؤبد لمرتكبي مثل هذه الجرائم.

ولا تمنح السلطات في إقليم كردستان الحق بتخفيف العقوبة على مرتكبي جرائم الشرف، لأنها لا تعمل بالمادة 409 من قانون العقوبات العراقي التي تخفف الحكم على القاتل لثلاث سنوات كما هو الحال في بقية محاكم العراق.

لكن القاضي رحيم العكيلي، وهو رئيس سابق لهيئة النزاهة، يقول إن ” ألتزام العراق بمعاهدات واتفاقات دولية ، يجبره على إلغاء جميع النصوص التمييزية القانونية ضد المرأة، ومناهضة العنف المسلط على النساء، إلا أن الحكومات المتعاقبة فشلت في تشريعات تلغي او تعدل تلك النصوص التي تتيح عقوبات خفيفة لقاتلي النساء تحت ذريعة الشرف لأن الدافع ” المجرم شريف ” .

ويشرح القاضي العكيلي المادة 409 ، ” أذ تتيح للرجل قتل زوجته أو أحد محارمه حال تلبسها بالزنا ” والمواد الأخرى التي تبيح حق التأديب و أعتبار زواج المغتصب من المغتصبة عذرا مخففا ، بسبب شيوع النظرة الدونية للمرأة في الأوساط الحزبية التي تهيمن على سلطة التشريع.


محاولات التعديل الواعدة جاءت من إقليم كردستان، الذي ألغى سلطة الزوج في تأديب زوجته ومنع اعتبار الشرف كعذر شريف لارتكاب الجريمة ، فيما يرى كثيرون أن الخطوات جاءت بسبب الفاعلية القوية للمنظمات المستقلة ولوبيات النساء المدافعات عن حقوق الإنسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى