تقرير جديد من المرصد العراقي لحقوق الإنسان يكشف عن تأثير التغيرات المناخية على العمال في العراق
14 تموز 2024
رصدت عراقيات تقرير صادر عن المرصد العراقي لحقوق الإنسان في (13 تموز 2024) حول تأثير التغيرات المناخية على العمال في العراق وجاء فيه :
إن التغيرات المُناخية التي يشهدها العراق، تؤثر بشكل مباشر على حياة العمال الذين يتعرضون لمخاطر بيئية تهدد صحتهم وسلامتهم. إن تزايد درجات الحرارة، وندرة المياه، والعواصف الترابية المتكررة كلها عوامل تجعل من بيئة العمل تحدياً كبيراً أمام العمال العراقيين.
يواجه العاملون في العراق، خاصة أولئك المعرضون لأشعة الشمس بشكل مباشر، مخاطر عديدة قد تمنعهم من العمل لفترات بسبب ضربات الشمس، أو قد تتسبب بوفاة بعضهم، فتأثير التغيرات المناخية يمكن ملاحظته في تزايد درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة خلال فصل الصيف، حيث تصل في بعض المناطق إلى أكثر من 50 درجة مئوية.
في (27 حزيران 2024) أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعيَّة تسجيل عدد كبير من إصابات العمال بالإجهاد الحراري خلال الصيف الحالي، نتيجة تعرّضهم إلى ظروف عمل غير صحيَّة وإنسانيَّة، في ظل ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق في العراق.
قال المتحدث الرسمي باسم الوزارة نجم العقابي في تصريح صحفي: “سجلنا إصابة عدد كبير من العمال ونقلهم إلى المستشفيات نتيجة تعرّض الجسم للحرارة الزائدة”.
تحدث المرصد العراقي لحقوق الإنسان إلى مجموعة من العاملين في مجالات مختلفة يجمعهم أمر واحد وهو العمل تحت أشعة الشمس وفي أكثر فصول السنة حرارةً. سائقو التوصيل هم الأكثر تعرضاً للمخاطر، خاصة الذين يقررون العمل في أوقات النهار.
يقول مجتبى حسين، وهو سائق توصيل يبلغ من العمر 19 عاماً: “لا توجد زيادات على الأجور المحتسبة، حيث إن المبلغ المتحصل هو ذاته سواء كان في الصباح أو المساء، صيفاً أو شتاءً. أصحاب المطاعم لا يضيفون أجوراً مقابل العمل تحت درجات الحرارة”.
عقيل طارش، بائع غاز يبلغ من العمر 27 عاماً، يؤكد تعرضه في مرات عديدة لمرض “التيفوئيد” جراء العمل تحت أشعة الشمس، لكنه يضطر للاستمرار لأنه مصدر رزقه الوحيد.
بحسب برنامج حماية الأرض (EPP) التابع للمرصد العراقي لحقوق الإنسان، يعتبر الالتزام بالمعايير الدولية أحد الوسائل الأساسية لتقليل تأثير التغيرات المناخية على العمال. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يجب أن تكون بيئات العمل مجهزة بوسائل تكييف الهواء والحماية من العوامل الجوية القاسية لضمان سلامة وصحة العمال.
تشمل المخاطر التي يواجهها العمال في العراق نتيجة للتغيرات المناخية ارتفاع درجات الحرارة الشديدة التي تعتبر من أكبر التحديات، حيث تزيد من خطر الإصابة بضربات الشمس والجفاف. تؤدي ندرة المياه إلى تحديات في النظافة الشخصية وظروف العمل الصحية، مما يزيد من احتمالية انتشار الأمراض. هذه الظروف القاسية تفرض على العمال العمل في بيئات غير صحية وخطيرة، مما يفاقم من مشاكل الصحة العامة والإنتاجية.
تحتم معايير منظمة العمل الدولية على أرباب العمل والحكومات اتخاذ تدابير لتقليل التعرض للعوامل البيئية الضارة. من هذه التدابير، توفير أنظمة تكييف في أماكن العمل التي تتعرض لدرجات حرارة عالية، وتوفير المياه النظيفة والمرافق الصحية المناسبة، وتدريب العمال على كيفية التعامل مع الظروف البيئية القاسية وطرق الحماية منها.
وفقاً لفريق برنامج حماية الأرض (EPP) في المرصد العراقي لحقوق الإنسان، فإن مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الحكومة العراقية في حماية العمال من تأثيرات التغيرات المناخية، من خلال وضع قوانين صارمة تفرض على أرباب العمل توفير بيئات عمل آمنة وصحية.
كما يجب على الحكومة أيضاً العمل على تحسين نظام الرعاية الصحية لضمان تقديم العناية اللازمة للعمال الذين يتعرضون لمخاطر صحية بسبب التغيرات المناخية. أما أرباب العمل، فعليهم تأمين المعدات والملابس الواقية للعمال الذين يعملون في ظروف مناخية قاسية، والالتزام بمعايير السلامة الدولية وتوفير التدريبات اللازمة للعمال.
صادق العراق على العديد من اتفاقيات منظمة العمل الدولية التي تهدف إلى ضمان حماية العمال في مختلف القطاعات. ومن بين هذه الاتفاقيات، التصديق مؤخراً على اتفاقية السلامة والصحة في الزراعة لعام 2001 (رقم 184)، والتي تعزز الالتزام بتوفير بيئة عمل لائقة ومتوافقة مع المعايير الدولية.
براء محمد، عامل في صيانة وتركيب أجهزة التكييف، يشير إلى أن عمله يتطلب مواجهة حرارة الصيف الحارقة. يقول: “نعمل تحت أشعة الشمس ولا نحصل على أي تعويض أو زيادة في الأجر رغم المخاطر الصحية”.
محمد جواد، حمال في الأسواق التجارية، يعاني من الأجر المنخفض والذي يبلغ 150 ألف دينار أسبوعياً (100 دولار أميركي). تعرض لأزمة صحية بسبب حرارة الجو ولم تُحتسب أيام غيابه كأجر له.
أما حسين محمد، عامل في مجال الألمنيوم والزجاج والحدادة، يوضح أن الأجر اليومي ثابت ولا يختلف في الصيف عن الشتاء. رغم خطورة العمل، يضطر للاستمرار فيه لعدم وجود بدائل أخرى.
تشدد منظمة العمل الدولية على ضرورة توفير ظروف عمل آمنة وصحية للعمال، بما في ذلك توفير استراحات منتظمة في الظل أو في أماكن باردة، وتوفير مياه شرب كافية ونظيفة، وتوفير ملابس واقية ومستلزمات للحماية من الشمس، وتوفير خدمات طبية وإسعافات أولية.
في أغسطس 2022 دعت منظمة العمل الدولية في العراق شركاءها الثلاثة – الحكومة ومنظمات أصحاب العمل والعمال – إلى ضمان اتخاذ الإجراءات المناسبة للتخفيف من بعض المخاطر المرتبطة بالعمل في ظل درجات حرارة شديدة والتأكد من توفير الحماية المناسبة للعمال في مكان عملهم، وذلك مع ارتفاع درجات الحرارة في العراق إلى 50 درجة مئوية في الأسابيع الأخيرة.
وقال المرصد العراقي لحقوق الإنسان: “تؤثر حرارة الشمس القاسية في العراق بشكل كبير على حياة العمال، إذ تزيد من مخاطر الإصابة بالإجهاد الحراري وأمراض الحرارة مثل ضربة الشمس. العديد من العمال يضطرون للاستمرار في العمل تحت هذه الظروف بسبب عدم وجود بدائل وظيفية أخرى”.
وفقاً لقانون العمل العراقي رقم (37) لسنة (2016)، يحق للعمال الحصول على ظروف عمل آمنة وصحية. ينص القانون على ضرورة توفير معدات الحماية الشخصية للعمال، وتحديد ساعات العمل بحيث لا تتجاوز الساعات المسموح بها قانوناً، وضمان فترات راحة منتظمة.
كما يحق للعمال الحصول على أجر إضافي مقابل العمل في الظروف الخطرة أو الشاقة. من بين الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها العمال وفقاً للمعايير الدولية والمحلية: الحق في بيئة عمل آمنة وصحية، الحق في فترات راحة، الحق في مياه شرب نظيفة، والحق في الحصول على أجور عادلة تتناسب مع أخطار العمل.
في أكثر من مناسبة، أعلنت الحكومة العراقية تعطيل الدوام الرسمي بسبب درجات الحرارة العالية، لكن هذه العطلة لا تشمل العاملين في القطاع الخاص والذين إذا ما قرر أحدهم طلب إجازة بسبب حرارة الجو، قد يلاقي مصير ترك العمل.
يشير محمد جواد إلى أنه تعرض في إحدى الأيام لوعكة صحية بسبب حرارة الجو، ما جعل أصحاب العمل لا يحتسبون الأيام التي غاب عنها كأجر له.
العاملون بمجال الألمنيوم والزجاج والحدادة يكون عملهم في فصل الصيف شاقاً بأضعاف بسبب تعاملهم مع أدوات تولد الحرارة، إضافة إلى اضطرارهم للتواجد تحت أشعة الشمس لإنجاز أعمالهم.
حسين محمد، الذي يعمل في هذا المجال منذ الطفولة، يشير إلى أن الأجر اليومي ثابت خلال فصل الصيف ولا يختلف عن العمل في فصل الشتاء. يؤكد محمد أن هناك من يقرر الجلوس في المنزل خلال الصيف خوفاً على صحته، لكنه يضطر للعمل تحت أشعة الشمس دون أي إضافة محتسبة من قبل رب العمل.
على العراق الالتزام بمعايير منظمة العمل الدولية وتوفير ظروف عمل ملائمة وآمنة للعمال، خاصة في ظل الظروف الجوية القاسية. يجب على أرباب العمل والحكومة اتخاذ خطوات جادة لضمان حقوق العمال وتقديم الدعم اللازم لهم لتحسين أوضاعهم وظروف عملهم، كما يتحتم على الحكومة العراقية تحسين التشريعات المتعلقة بسلامة العمل، وضمان تنفيذها بفعالية.