البودكاست العربي… خيط رفيع بين الانتشار والاندثار

25 يونيو 2024
ملخص
كيف يقيم النقاد والإعلاميون تجربة البودكاست العربي بسلبياتها وإيجابياتها؟ وكيف يتطلعون إلى مستقبلها؟ وماذا أضافت إلى تجارب من خاضوها؟ وهل استطاعت أن تحرر البعض من قيود العمل المؤسساتي وما يفرضه عليهم من ضوابط وشروط وخطوط حمراء؟
بدأت تجربة البودكاست في الوطن العربي أواخر العقد الأول من القرن الـ 21 مع بدايات انتشار الإنترنت، وواجهت في بداياتها صعوبات تتعلق بقلة الوعي بها وقلة المحتوى المتاح، ثم ما لبثت أن نمت وزاد عدد منتجيها ومتابعيها.
ويقدم البودكاست محتوى متنوعاً يشمل مختلف المجالات، لكنه يواجه تحديات مختلفة كنقص التمويل والمنافسة بين المنتجين، فضلاً عن صعوبات تتعلق بالرقابة في بعض الدول العربية، خصوصاً تلك التي تتبع لبعض المؤسسات.
وبينما تشير التوقعات إلى نمو وتطور هذه التجربة وتحولها إلى وسيلة مهمة لنشر المعلومات والأفكار يقلل آخرون من أهميتها ودورها ويعتبرون أنها مجرد موجة سيخف وهجها ودورها مع الوقت.
فكيف يقيم النقاد والإعلاميون تجربة البودكاست بسلبياتها وإيجابياتها؟ وكيف يتطلعون إلى مستقبلها؟ وماذا أضافت إلى تجارب من خاضوها؟ وهل استطاعت أن تحرر البعض من قيود العمل المؤسساتي وما يفرضه عليهم من ضوابط وشروط وخطوط حمراء؟
تكامل مع الصحافة
رئيسة مجموعة “النهار” الإعلامية اللبنانية نايلة تويني، التي استضافت في “بودكاست مع نايلة” شخصيات من مجالات مختلفة اختصرت تجربتها في ثلاث كلمات: “غنية، ممتعة، استثنائية”.
وقالت تويني، في حديثها مع “اندبندنت عربية”، “غنية بالأسماء والشخصيات الرائعة التي استضافتها وحاورتها وتعلمت منها، ممتعة بكم القصص الحقيقية والصادقة التي أخبرنا بها الضيوف بكل ما تحمله من ذكريات حلوة ومرة ونجاحات ومطبات، واستثنائية لكونها ساعدتني على صناعة تجربة خاصة وجديدة في مجال الصحافة الرقمية التي نؤمن بمواكبة جديدها في النهار، وخوض التجارب التي تقربنا من رسالة مهنتنا ومن التفاعل مع متابعينا وقصص الإنسان والسرديات البناءة”.
وعن التعاطي العربي مع البودكاست، أضافت تويني أن “انتشار ثقافة البودكاست اليوم، سواء المصور أو المسموع، هو دليل على أن الوسائط الإعلامية لا تموت وإنما تتحول وتتجدد. والبودكاست هو شكل جديد تكاملي من أشكال الصحافة، يواكب العصر، لكنه يعيد الاعتبار في الوقت عينه إلى الإذاعة أو الإعلام المسموع الذي ظن كثيرون أن زمنه انتهى، وثقافة الاستماع مهمة جداً، وكذلك الاستماع من خلال البودكاست المصور”.
وأوضحت “مع أن السرعة هي إيقاع يسير حياتنا اليوم، وخصوصاً في الفضاء الإلكتروني، يأتي البودكاست ليعيد الاعتبار إلى الهدوء والانتباه، بدلاً من السرعة والتشتت، وعلى رغم رواج الفيديوهات السريعة وثقافة الريلز والدقيقة والدقيقتين، يتجه المتابع اليوم إلى مشاهدة أو سماع البودكاست لمدة ساعة وأحياناً ثلاث ساعات، وهذا يشكل بالطبع ظاهرة لافتة وجديرة بالاهتمام. والبودكاست اليوم تشكل مادة عميقة أساسية ومطلوبة في مواقع التواصل الاجتماعي، والتفاعل معها جيد جداً، خصوصاً في دول عربية معينة حيث تصل نسبة المشاهدات إلى أرقام مليونية ضخمة”.
ويرى كثيرون أن البودكاست أسهمت بولادة إعلاميين جدد في الوطن العربي، كونها وفرت منصة للشباب العربي للتعبير عن أفكارهم ومشاركة مواهبهم مع الجماهير وأسهمت في كسر حواجز الدخول إلى عالم الإعلام، وساعدت في تنوع أصوات الإعلاميين العرب، وفتحت المجال أمام ظهور مواهب جديدة من مختلف الخلفيات والاهتمامات.
وتؤكد تويني أن “هناك صفات أو معايير معينة يجب أن يتحلى بها مقدم البودكاست، سواء كان إعلامياً أم لا، وهي أساس في نجاح أي برنامج بودكاست منها: الهدوء والبساطة والتلقائية والثقافة واحترام الضيف وعدم مقاطعته. وثمة تجارب لأشخاص هم اليوم حاضرون بقوة في المشهد الإعلامي عبر المنصات، منهم من هو إعلامي متمرس، ومنهم من هو من خارج المهنة، إضافة إلى متخصصين في مجالات معينة يقدمون البودكاست بحسب مجالات اختصاصهم من الطب إلى الثقافة أو السياسة. ولا يخفى على أحد أن هناك تجارب لشخصيات من خارج الصحافة ولا ينتمون إلى المدرسة الصحافية التقليدية، لكنهم حققوا نجاحاً في هذا المجال”.
وفي المقابل، ثمة وجهة نظر تقول إن إقبال بعض الإعلاميين على تجربة البودكاست حررهم من العمل تحت سقف مؤسسات إعلامية تحد من حريتهم وتفرض عليهم الالتزام بضوابط وخطوط حمراء معينة. وهنا تعلق تويني “لا شك أن البودكاست أوجد مساحة بديلة عن الإعلام التقليدي، وهي مساحة تخف فيها الضوابط وتتسع لحوارات خارج الصندوق. وصار بإمكان الإعلامي أن يتواصل مع جمهور ومتابعين من دون أن يكون مرتبطاً بالضرورة مع مؤسسة إعلامية معينة، لكن البودكاست ليس خيار الشباب أو الإعلاميين المستقلين حصراً، وإنما يشكل اليوم هدفاً للمؤسسات الإعلامية نفسها ضمن برمجتها. وأظن أن المؤسسات الإعلامية العريقة والمهمة هي التي تعمل اليوم على أن يكون الإعلامي أو الصحافي الذي يعمل لديها متطوراً وشاملاً ومنفتحاً على الوسائط الجديدة والمتعددة ومن ضمنها طبعاً البودكاست”.
ويتميز البودكاست العربي بتنوع محتواه ليشمل مختلف المجالات التي تهم المستمعين، ومن خلال تجربتها لا تفرق تويني بين نوع وآخر بل ترى أن البودكاست الأنجح هو الذي يقدم محتوى عميقاً بأسلوب بسيط. وتردف “السرد القصصي الممتع والمشوق أساس لنجاح البودكاست سواء كان فردياً أم حوارياً، ولا أظن أن نوع البودكاست هو الذي يحدد نجاحه، وإنما المحتوى نفسه، المعلومات المفيدة، الأسلوب الشيق، الجو المريح، اسم الضيف وأهمية تجربته، كلها عوامل تحدد نجاح هذا البودكاست أو ذاك، بمعزل عما إذا كان يعالج قضايا في الفن أو السياسة أو الاقتصاد أو ريادة الأعمال وغيرها”.
إيجابيات وسلبيات
شهد المغرب في السنوات الأخيرة نمواً ملحوظاً في مجال البودكاست وظهرت العديد من البودكاستات التي تقدم محتوى متنوعاً يلبي حاجات وتفضيلات مختلف شرائح المجتمع من بينها “سم وعسل” للصحافي فهد الهاشمي الذي أكد على إيجابيات وسلبيات التجربة، قائلاً “برامج البودكاست أعطت الإعلام العربي نفساً جديداً وأخرجت الصحافيين والإعلاميين من رتابة البرامج الكلاسيكية، وأتاحت المجال لوصول المعلومة أو الخبر إلى المتلقي بأريحية بعيداً من ضخامة الاستوديوهات. وفي المقابل تتناول بعض التجارب مجالات لا علاقة لها بهذا النوع من البرامج وأبعدته عن هدفه الأساسي وهو التأثير الإيجابي على الجمهور وأخذ العبر من تجارب الضيوف” .
*اندبندنت عربية