يجب الفصل بين المعتقد الشخصي والحقوق المدنية
هادي عزيز علي
لكل إنسان الحق في حرية الفكر والعقيدة ، وحريته في أن يدين بدين ما ، وهو حر في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم بمفرده أو مع جماعة وأمام الملأ أو لوحده ، ولا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في اعتناق دينه أو المعتقد الذي يختاره .
فضلاً عما تقدم فإن للآباء أو الأوصياء حرية تربية الأولاد دينياً على وفق قناعتهم الخاصة ، وهذا ما جاءت به نصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المصادق عليه عراقياً وأصبح جزءاً من النسيج التشريعي العراقي ، إضافة لما تقدم فإن قانون العقوبات وفي الفصل الثاني من الباب الثامن منه نص على تجريم الأفعال التي تمس الشعور الدينى كالاعتداء بطرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف أو حقّر من شعائرها أو خرب أو دنس أو أتلف أو شوّه بناء معداً لإقامة الشعائر أو أهان علناً رمزاً أو شخصاً موضع تقديس لدى طائفة دينية وسوى ذلك من الأفعال وفرض العقوبة على مرتكب تلك الأفعال بالحبس الذي لا تزيد مدته على الثلاث سنوات . وقد تعززت هذه الأحكام وتوثقت بصدور دستور 2005 الذي نص على حرية كل فرد في حرية الفكر والضمير والعقيدة ( المادة 42 منه ) .
أما الحقوق المدنية المتأتية من مخاض عسير وتاريخ فكري طويل للنظرية العامة للحق لترسي أخيراً في أحكام الفصل الأول من الباب الثاني من الدستور تحت عنوان ( الحقوق ) وهي الحق في الحياة وتكافؤ الفرص والجنسية والقضاء المستقل والمشاركة في الشأن العام والعمل والملكية الخاصة والملكية الفكرية وتكوين أسرة والرعاية الصحية وحرية التعبير والتجمع السلمي وسوى ذلك من الحقوق الأخرى يضاف لها الحريات الواردة في الفصل الثاني من ذات الباب . وهذه الحقوق ممنوحة للعرقيين بموجب النصوص الدستورية تلك ، ولمزيد من التفصيل يصار الى نصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهما المرجعية المعتمدة من قبل الدستور العراقي في فصليه المدرجين ضمن أحكام الباب الثاني المتعلق بالحقوق والحريات .
الذي يحدث عادة ، أن أصحاب المعتقد كثيراً ما يتطاولون على الحقوق المدنية معتقدين بعلوية معتقدهم على تلك الحقوق ، أي أنه يعلق تمتعه بحقوقه على معتقداته والمطلوب هنا هو منع ذلك التعليق ، لأن عدم المنع يعني التمييز بين المواطنين ويجعلهم غير متساوين أمام القانون لاعتبارات تتعلق (بالجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي … الخ ) ومعلوم أن هذا التمييز محظور بموجب أحكام المادة 14 من الدستور وهذا ما انصرفت لديه إرادة المشرع الدستوري ضمن أحكام المادة المذكورة . وقد رأينا ذلك واضحاً ولأكثر من مرة نزوع البعض من الأحزاب ذات الخطاب السياسي الديني الى ترسيخ مبدأ عدم المساواة بين العراقيين من خلال مشاريع القوانين العديدة المقدمة الى السلطة التشريعية تحت عناوين ( قوانين الأحوال الشخصية الجعفرية ) كنموذج .
مغلبين المعتقد على نص القانون كاعتبار سن الزواج للبنت تسع بدلاً من ثماني عشرة سنة كاملة مع الأهلية كما وردت في القانون المدني وقانون رعاية الأحدات وقانون رعاية القاصرين وقانون الأحوال الشخصية . أو بدلاً من أن تختار البنت البالغة الرشيدة شريك حياتها للزواج باعتبار عقد الزواج من العقود الرضائية حسبما تنص على ذلك المادة الرابعة من قانون الأحوال الشخصية فإن على تلك البنت البالغة الرشيدة البكر وحسب المعتقد لا يحق لها الزواج من دون إذن الولي . أو حرمان الزوجة – حسب المعتقد – من إرث زوجها من الأراضي لا عيناً ولا نقداً خلافاً للنصوص القانونية التي تجيز لها الإرث من زوجها من الأراضي . أو اعتبار عقد الزواج عقد استمتاع ، أو كما يقال المال مقابل منافع البضع بدلاً من نص القانون الذي يعرف عقد الزواج بأنه 🙁 عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة … ) . أو إلغاء الفصل الخاص بالتفريق الذي اعتبرته الزوجة واحداً من حقوقها في مقابل حق الطلاق الممنوحة للزوج لأن المعتقد المذهبي لا يقر التفريق الذي تطلبه الزوجة ولو أصبح الخلاف مستحكماً ويترك الأمر للزوج وحده . إضافة الى العديد من المواضيع الأخرى موضوع التغليب التي لا تتسع لها هذه السطور .
مما تقدم وحيث إن من يذهب الى تعليق حقوقه على معتقده أمر يعني التمييز بين العراقيين المفضي الى عدم المساواة أمام القانون خلافاً للنص الدستوري الآمر ، لذا يلزم والحالة هذه الفصل بين المعتقد الشخصي باعتباره سلوكاً شخصياً خاصاً به ، والحقوق المدنية الممنوحة للمواطنين تحت يافطة المواطنة .