نصيحةُ أخ ٍ لأخيه!
جواد علي كسّار
جلس إلى جوارها على نحوٍ حميمي يُنبئ أنه يريد أن يحدّثها بكلامٍ خطير؛ هو نائب لرئيس الجمهورية رسمياً وصاحبُ القرار عملياً، وهي ملكة بلادها المؤثّرة في قرارات زوجها، التي راحت سلطته تضعف يوماً بعد آخر، وسط تزايد في سلطة الحواشي والمستشارين، يتموضع من حول هذه المرأة القويّة؛ الملكة!
كانت هناك مشكلة في التواصل، فهو لا يعرف إلا العربية ويفهم شيئاً بسيطاً من الإنكليزية، وهي تتحدَّث الإنكليزية بطلاقة أهلها، فضلاً عن الفارسية لغتها الأمّ، انه اللقاء الخطير بين صدام حسين وفرح ديبا زوجة الشاه محمد رضا بهلوي وملكة إيران، والمرأة القوية في بلاط الشاه!
يقول مدير مكتبها الخاص د. حسين نصر، أن الملكة أخبرته أن عليه التجهّز لرحلة إلى العراق، بعد أن وصلتها دعوة للقاء السيد أبو القاسم الخوئي لشأن خطير يرتبط بمصير إيران. يذكر حسين نصر أن الزيارة لم تكن رسمية، وكانت مغلقة على الملكة فرح ووالدتها ديبا وولدها علي رضا وابنتها فرحناز ونصر نفسه بناءً على طلب الملكة، وعدد آخر من الدائرة الخاصة. ما إن حطت الطائرة في مطار بغداد يوم 18 تشرين الثاني 1978، حتى فوجئت الملكة والوفد المرافق باستقبال رسمي، فكان برفقتها وزير الصحة العراقي وزوجته، الذي أخذ بالوفد مباشرة إلى بيت فاخر جميل (فيلا) على حدّ وصف نصر، الذي اصطدم بمفاجأة أكبر، يقول عنها: لم يكن قد مرّ على وجودنا ببغداد إلا قليلاً (ساعة أو ساعتين) حتى أخبر وزير الصحة العراقي، الملكة بأنَّ صداماً يريد رؤيتها!
يضيف نصر أن الملكة طلبت رأيي باللقاء، فقلت لها: من الضروري إخبار الشاه ومعرفة رأيه، وهذا ما كان حيث وافق الشاه على لقاء الملكة بصدام. يذكر مدير المكتب الخاص لفرح ديبا، أنهم لم يكونوا قد استوعبوا الصدمتين بعد؛ اضفاء الرسمية على الزيارة وطلب صدام اللقاء، حتى جاءت الصدمة الثالثة، حين تغيّرت أجواء قصر الضيافة بالكامل، وهي تضج بالحركة والاستعداد لزائر كبير، لم يكن سوى صدام نفسه، الذي بادر لزيارة الملكة.
يقول د. نصر: استقبلت الملكة صدام وعرفته على المجموعة المرافقة لها بحسب قواعد البروتوكول، فقمنا جميعاً لاستقباله ومصافحته، وعندما جاء دوري، قلت بنبرة عربية واضحة ودالة على معرفتي بالعربية: السلام عليكم، فقال لي: تعرف العربية؟ قلت: أجل، قال أريد أن أتحدّث إلى الملكة بكلام لا أريد لأحد أن يعرفه، حتى المترجم؛ فقط أنا والملكة وأنت، ثم أخذنا جانباً إلى صالة من صالات القصر.
سأل صدام الملكة في البداية: كيف حال أخي الشاه؟ ثمّ قال بعد كلام دافئ أريد منك أيتها الملكة إيصال رسالتي هذه إلى أخي الشاه: قولي للشاه أنزل الدبابات إلى الشارع، ووجّه فوهة مدافعها نحو الناس، وأطلق النار على كلّ من يشغب! ثمّ أضاف نصاً: أن يموت الآن 300 شخص، أفضل من أن يموت بعد ذلك مليون إيراني وعراقي!
يذكر حسين نصر ذلك بتفاصيل كثيرة، امتدت على 595 صفحة، في كتاب وصلني أول أمس، فشغلني الإنكباب على معلوماته وحوادثه عن كلّ شيء، فاخترت هذه الواقعة التي قدمتها بإختصار شديد، على أن أعود لها وللكتاب في مرة لاحقة إن شاء الله العزيز!
الصبـــاح