مقاييس ومؤشرات المنظمات الدوليَّة
د. اركان كيلان_ بغداد
أن تعدد المؤشرات في المقياس الواحد حول مدى تطبيق أي مبدأ يظهر معايير مختلفة ومتجددة، فمن المجحف التعامل مع التطبيق كرزمة واحدة، حيث إن الدول تختلف في مقوماتها الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، ما يجعل من الصعب وضع مقياس أو مؤشر واحد لأي تطبيق.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه دائرة المنظمات غير الحكومية التابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء في العراق التزامها بالقانون والتعليمات ِوالضوابط الخاصة، بتسجيل المنظمات غير الحكومية، أعربت عن استغرابها الشديد من تقرير وزارة الخارجية الأميركية، مكتب حقوق الانسان والديمقراطية والعمل، حول ملف حقوق الانسان في العراق لعام 2022 وبالتحديد في ما يخص حرية تكوين الجمعيات، والذي تتطرق التقرير إلى وجود “صعوبات وعراقيل” في عملية تسجيل المنظمات، وتساءلت الدائرة عن المصادر، الذي اعتمدها التقرير في تقييمه، لا سيما انها لم تتلقَ أي استفسار أو طلب توضيح عن عملية التسجيل من الجهات التي أعدت التقرير.
ولا بد من ضرورة توضيح الآتي:
1 – إن عملية تسجيل المنظمات تمر عبر خطوات واضحة ومختصرة منشورة في الموقع الالكتروني للدائرة، وان قسم التسجيل يتواصل مع أعضاء المنظمات عبر وسائل الاتصال المختلفة، لتقويم وتصحيح عملية التسجيل.
2 – إن عملية التسجيل ورغم التسهيلات التي تقدمها دائرة المنظمات غير الحكومية تقابل من قبل بعض المنظمات بعدم دراية غير مبرر ورفض الالتزام بالتعليمات، إضافة إلى وجود اشكالات وخلافات بين الأعضاء والبعض يتضح شموله بإجراءات المساءلة والعدالة، والآخر لديه قيد جنائي، الامر الذي يطيل من عملية التسجيل، إضافة إلى معرقل جديد اخر هو ارتفاع استيفاء رسم الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة عن تدقيق أعضاء المنظمة الطالبة بالتأسيس من (25) ألف دينار إلى (250) ألف دينار عراقي للشخص الواحد.
3 – في ما يخص النظام الداخلي للمنظمات فإنه يكتب من قبل أعضاء المنظمة الراغبة بالتسجيل على أن يتضمن بعض الشروط، التي تستند إلى القوانين العراقية النافذة، وهو الامر الذي لا يمكن تجاوزه.
4 – لم تفرض دائرة المنظمات غير الحكومية أي اسم على المنظمات، لكنها لا تقبل بتكرار أسماء المنظمات ولا الأسماء المشابهة للجهات الحكومية أو الأحزاب أو الكيانات السياسية أو الاتحادات والنقابات، حسب المادة (30) من قانون المنظمات غير الحكومية رقم (12) لسنة 2010، وهو ما قد يفسر على أنه فرض أو اختيار اسم معين.
5 – ورغم الاتهامات الذي ذكرها تقرير وزارة الخارجية الأميركية عن صعوبة تسجيل المنظمات غير الحكومية العراق عام 2022، فإن عدد المنظمات التي سجلت في هذا العام بلغت (531) منظمة من ضمنها (12) منظمة اجنبية، ليكون عدد المنظمات المسجلة (5657) حتى انتهاء الربع الأول من عام 2023.
إن التقرير الأميركي عن الحريات في العراق والجزء الخاص فيه بتسجيل المنظمات غير الحكومية، كان يجب أن يستند إلى وثائق وأدلة تثبت الادعاءات الواردة في التقرير، وأن دائرة المنظمات عبر قنواتها الرسمية هي مستعدة لتزويد الجهات الراغبة بالاستفسار عن أي اتهام وردة التقرير، أو أي تساؤل اخر بما يخدم المصلحة العامة في البلاد.
وفي الوقتذاته وبالاتجاه نفسه ظهر تقرير آخر من مجموعة البنك الدولي، حيث اعربت دائرة المنظمات غير الحكومية التابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء في العراق، عن أسفها الشديد تجاه الاستنتاجات، التي توصل لها التقرير عن عمل الدائرة والمنظمات، غير الحكومية وترى أنه تقرير يفتقر إلى الموضوعية ويجافي الحقيقة.
ودائرة المنظمات غير الحكومية ألا تدعي الكمال في العمل، ولا تنكر وجود معوقات لوجستية وفنية وحتى عراقيل بيروقراطية موروثة تحاول التخلص منها كلما استطعت، لكنها تستغرب من طريقة النقد وآليات، التي تعتمده الجهات الخارجية، وكانت تأمل الدائرة أن يكون النقد موضوعياً لتتفاعل معه بالإيجاب.
ذكر التقرير أن الحكومة العراقية لا تمتلك خارطة طريق متماسكة، لتنشيط قطاع المنظمات غير الحكومية، في حين ان معظم الدوائر التابعة للحكومة تشرك المنظمات غير الحكومية في نشاطاتها المختلفة في بغداد وباقي المحافظات ووفرت لها الدعم، كلما أمكن واينما وجد وتعتبرها مجسات مهمة لقياس احتياجات المجتمع، ويتم التداول معها في كل قرار أو تشريع تنوي اقتراحه على البرلمان.
أما بخصوص ادعاء عدم وجود مجموعة موحدة من الارشادات ومتطلبات التسجيل للمنظمات غير الحكومية، فإن ذلك يعكس عدم مهنية التقرير، وعدم توجه الاطراف المشتغلة عليه إلى دائرة المنظمات غير الحكومية، لمعرفة رأيها والوقوف على حقيقة الامر، وهنا لا بدَّ من الاشارة إلى وجود قانون واضح ورصين، ينظّم عمل المنظمات ويوضح طريقة تسجيلها وهو قانون المنظمات غير الحكومية رقم (12) لسنة 2012، كما يحتوي الموقع الالكتروني لدائرة المنظمات غير الحكومية على شرح لطريق التسجيل و”وفورمات” جاهزة تملأ من قبل اي مجموعة ترغب بتأسيس منظمة، علاوة على ذلك تقوم الدائرة بمراسلة المنظمة عبر البريد الالكتروني والاتصال الهاتفي، لتصحيح الأخطاء الواردة في أوراق التسجيل.
إن عدم دراية الجهات المعدة للتقارير أو بعض المنظمات المحلية بالقوانين العراقية أو التعليمات والأوامر، التي تلزم عمل دائرة المنظمات غير الحكومية، يجعلها تفترض وجود زيادة في التدقيق ومتطلبات اضافية على المنظمات غير الحكومية، دون أن تذكر ماهية هذه المتطلبات أو نوعها حتى تتمكن الدائرة من الرد عليها.
ويرى التقرير الدولي أن العديد من المنظمات تعمل في قطاعات متعددة، مما يشتت تركيزها ويشتت عملها! ولا نعرف علاقة دائرة المنظمات غير الحكومية بهذا الأمر، وهل كان الاجدر إلزام المنظمات باختصاصات معينة؟ وما هي القطاعات التي توصي بها مجموعة البنك الدولي، وتلك التي لا يفضل ان تعمل بها المنظمات غير الحكومية؟!
لذلك تم تشكيل فريق جمع واعداد البيانات للرد على التقارير الدولية المتعلقة بواقع المنظمات غير الحكومية في العراق.
باحث في شؤون المجتمع المدني العراقي