لماذا بقيت الاختصاصات الطبية الصعبة حكرا على الرجل؟
7 ديسمبر 2024
كارين أليان _أندبيندنت
أظهرت المرأة قدرات فائقة في المعالجات وحققت نجاحات نافست بها الجنس الآخر ضمن خيارات معينة لكنها بقيت بعيدة من بعضها
ملخص
على رغم نجاحات المرأة في مجال الطب اليوم فإن هناك اختصاصات لم تتمكن أو أنها لم ترغب في اختراقها، فما السبب؟
استطاعت المرأة أن تثبت قدراتها في مجالات عدة كانت حكراً على الرجل، فكان بعضهم ينظر إليها بسلبية ويقلل من شأنها قبل عقود مضت، لكنها استطاعت أن تسهم في تطور المجتمعات عبر دخولها في مختلف المجالات التي كان الرجل وحده يعمل فيها، فيما اعتبر دخول المرأة إليها ممنوعاً إلى حد كبير.
ويعتبر الطب من المجالات التي فرضت نفسها المرأة فيها قبل أعوام وثبتت حضورها، حتى إنها باتت اليوم تنافس الرجل في اختصاصات عدة في هذا القطاع وتفوقت عليه أحياناً.
وفيما أكدت الأنثى وجودها في اختصاصات طبية معينة حتى أصبحت تُسجل فيها أكثرية نسائية، بقيت هناك اختصاصات لم تستطع أن تخترقها، وبقيت فيها الكلمة الأقوى للرجل بالأكثرية الساحقة.
في التمريض المرأة أولاً
لطالما استقطبت مهنة التمريض العنصر النسائي بخاصة، من تاريخ دخول الممرضة الأولى فلورنس نايتنغيل في هذا المجال عام 1820 في إيطاليا، فكانت الرائدة في مجال التمريض، واهتمت آنذاك بجرحى الحرب
وفاق دوماً عدد النساء في مجال التمريض ذاك الذي للرجال، وتعتبر نقيبة الممرضين والممرضات في لبنان عبير علامة أن هذا المجال استقطب المرأة بصورة أساس، ربما لأنها تمتاز بالرعاية والحنان والعاطفة وربط بين دورها في رعاية المرضى في المهنة ودورها كأم، بخاصة أنها مهنة تتطلب كثيراً من الرعاية والصبر والاهتمام، وبما أن المرأة كانت أول من انطلق بهذا المجال فقد استمرت النساء بالتوجه إليه بصورة أساس عبر التاريخ.
ومع التطور الحاصل في العلم وفي مجال التمريض، تطور مفهوم التمريض وأدرك الناس طبيعة المهنة بصورة أفضل فظهرت أهميتها وأصبحت مطلوبة من قبل الجنسين، كما أصبح هناك شغور في أماكن العمل فيها مما جعلها اختياراً مفضلاً لكثيرين، بخاصة أن الأجور ترتفع فيها داخل دول معينة مثل تلك الأوروبية.
أما في لبنان فتستمر المساعي إلى رفع الأجور في مهنة التمريض، وبين ارتفاع الأجور والتحول الحاصل في مفهوم مهنة التمريض والفهم الأفضل لها وتطور العلم فيها، انجذب الشباب إليها من الجنسين، يضاف إلى ذلك أنها مهنة تتطلب قوة جسدية لرعاية أشخاص يحتاجون إلى من يحملهم في رعايتهم، ولذلك تشدد علامة على أنها مهنة تحتاج إلى العنصرين النسائي والذكوري، فيما بعضهم لا يفضل أن يكون من يقدم له العناية من الجنس الآخر، ولذلك بلغت نسبة النساء في التمريض 65 في المئة، وبالتالي باتت نسبة الجنسين متقاربة خلال الأعوام الأخيرة في المجال.
المرأة في اختصاصات طبية معينة
في مجالات أخرى من عالم الطب يبدو المشهد مختلفاً، فصحيح أن المرأة رسخت وجودها في اختصاصات طبية عدة لكن بقيت هناك اختصاصات أخرى حكراً على الرجل، وإن عدنا للتاريخ نجد أن المرأة مُنعت أولاً من العمل في المجال الطبي وبخاصة في الجراحة، وكان دورها أولاً يقتصر على دور مساعد للطبيب أو على مجال التمريض قبل أن تبدأ باختراق اختصاصات معينة محددة في عالم الطب، علماً أن المرأة الأولى في تاريخ الطبيب كانت الفرعونية ميريت بتاح عام 2700 قبل الميلاد إلى أن ظهرت في القرن الـ 12 الطبيبة الإيطالية تروتا من مدينة ساليرنو الساحلية، وشكل وجودها حينها ظاهرة استثنائية في جامعات أوروبا التي كان يديرها رجال دين ويمنع دخول النساء إليها.
لكن أتت لاحقاً مرحلة استطاعت فيها المرأة أن تبدل المعادلة في مختلف دول العالم، وإن كانت هناك حتى اليوم دول لا تفتح المجال للجنسين للعمل في المجال الطبي بالتساوي، وعندما مارست المرأة مهنة التمريض والقبالة خلال القرنين الـ 18 والـ 19، اكتسبت حق الانتساب إلى مؤسسات التعليم الطبية في دول عدة، ومنذ عام 1900 بدأ ارتفاع أعداد النساء الطبيبات، وعلى رغم انخفاضه عام 1950، فقد ارتفع مرة ثانية خلال النصف الثاني من القرن الماضي، وأصبحت النساء يشكلن تسعة في المئة من الطلاب الملتحقين بكليات الطب داخل الولايات المتحدة عام 1969، ثم في عام 1985 أصبحت النساء اللواتي يعملن في مجال الطب يشكلن 14 في المئة من الأطباء العاملين في البلاد.
وفي بداية القرن الـ 21 تساوت المرأة مع الرجل في كثير من الاختصاصات الطبية، وخلال العام الدراسي 2007 – 2008 شكلت النساء 49 في المئة من المتقدمين لدرس الطب و 48 في المئة من المقبولين، كما تقول دراسات في هذا المجال.
اختصاصات بقيت للرجل
من الواضح أن الرجال يشكلون الأكثرية حتى اليوم في ممارسة الطب وخصوصاً في بعض التخصصات الطبية مثل الجراحة، فيما هناك اختصاصات تهيمن عليها المراة مثل طب الأطفال والطب النفسي وعلم الأمراض، وهذا ما يؤكده نقيب الأطباء في لبنان الدكتور يوسف بخاش، مشيراً إلى أنه على رغم الدور الجوهري والفاعل الذي باتت المرأة تلعبه في عالم الطب فثمة تفاوت في مشاركتها فيه، فهي بالفعل دخلت في درس الطب الذي يتطلب جهداً ومتابعة ووقتاً، ولها وجود بارز متزايد في كليات الطب والمستشفيات، لكن يُلاحظ أن عدد النساء في مجال الطب يزيد في اختصاصات معينة لا تتطلب جهداً جسدياً كبيراً، مثل طب الأطفال والأمراض الجلدية، فيما تنخفض في اختصاصات أكثر تعقيداً مثل جراحة العظام والشرايين والأعصاب. وتظهر الأرقام التي يعطيها بخاش أن أعلى نسبة مشاركة للمرأة في المجال الطبي كانت في اختصاص طب العائلة وتصل إلى 52.3 في المئة، يأتي بعدها التخصص في درس الأنسجة الذي لا يحوي حالات طارئة ويكون العمل بدوام محدد مع نسبة 45 في المئة، وبعدها تأتي الأمراض الجلدية بـ 45 في المئة، ويلي الأمراض الجلدية طب التخدير بـ 41 في المئة من النساء، وهي أرقام أفادنا بها بخاش.