المرأة والمجتمع المدني

“كورونا”.. وزر آخر تتحمله المرأة في العراق

تحقيق/ سارة القاهر

تخط أم زهراء أقدامها المثقلة بالخيبة والندم وتسير صوب احد الاضرحة التي اغلقت ابوابها، علّها تجد مكانا تبيت به ريثما تجد مسكنا جديدا غير منزل ولدها الذي طردها منه بعد أن عادت من المستشفى وقد تماثلت بالشفاء من فيروس كورونا المستجد.

 أم زهراء "مديحة السامرائي" وهذا هو اسمها، هي احدى ضحايا العنف الاسري الذي تعرضت له النساء في فترة الحجر الصحي التي طال امدها، وتدفع النساء الثمن في الغالب.

 تروي السامرائي قصتها، قائلة "عندما ذهبت لاحد المآتم، اجتاح الفيروس مناعتها من احدى الزائرات الاخريات من النساء في المأتم نفسه".

 بعد أسبوع فقط أحست بحمى عالية جعلها تسرع الى المشفى لفحصها، فكانت النتيجة ايجابية، وتم حجرها على الفور.

 تقول مديحة السامرائي "اتصلت بولدي الأكبر لأحيطه علما بشأن إصابتي، وليجلب لي المستمسكات الرسمية الخاصة بي والتي طلبتها ادارة المشفى، فبدت علامات الصدمة واضحة على صوته، وتردد مرات عدة وهو يسأل عن وضعي".

 وواصلت "في مساء اليوم نفسه، جلب لي ولدي اغراضي التي طلبتها، لكني لم اره ولم يتصل بي من حينها وحتى خروجي من المشفى، ذهبت الى البيت، لكنه لم يستقبلني وقال لي اذهبي، لبقية اخوتي فانا اعتذر عن استقبالك واخشى على عائلتي من انتقال العدوى".

"لم يستقبلني احد" تضيف السامرائي "اتصلت اكثر من مرة بأولادي وبناتي، ولكن لا احد يرد على الهاتف، فادركت حينها انني غير مرحب بي".

 

وغير بعيد عن حالة السامرائي المزرية، والتي ظلت تدور اياما، بحثا عن مأوى في بيوت أولادها وبناتها دون جدوى، تروي أزهار علي، ذات الخمسة والعشرين ربيعا، قصة قتل فيروس كورونا فرحتها بالزواج، بعد ان تخلى عنها خطيبها اثر علمه بإصابتها وعائلتها بفيروس كورونا .

 لم ينتظر الشاب طويلا، وبادر على الفور للاتصال بوالدها للاعتذار عن إتمام الزواج، معللا رفضه الزواج  بذريعة ان الفيروس يبقى في جسم الانسان حتى بعد الشفاء من المرض.

 

رفل الخفاجي (23 عاما)، طالبة جامعية، أصيبت هي الاخرى بفيروس كورونا، وعندما علمت أسرتها بأعراض المرض لم يتصلوا بالإسعاف، خوفا من انتشار خبر إصابتها في منطقة سكنها.

  تقول الخفاجي: "ذهبت بنفسي إلى أكثر من مستشفى للفحص دون فائدة، وحين وصلت إلى مستشفى متخصص في فحص المشتبه فيهم بالإصابة بكورونا، تأكدت اصابتي بالفيروس، فتم حجري في المستشفى حتى تماثلت للشفاء".

 وتضيف "بعد ان تعافيت عدت إلى بيت أهلي لكني وجدت الأمور قد تغيرت تماما عن السابق".

 "عند قدومي إلى المنزل وجدت أبي قد خصص لي "المخزن" الذي كنا نضع فيه الأشياء القديمة، وأفرغ غرفتي من جميع محتوياتها، وقام بحرقها، خشية انتشار الوباء بين افراد العائلة".

 وتواصل بانه "تم عزلها في المخزن حيث لا يمكنها الاختلاط بأحد، فيما يقدم لها الطعام والشراب وهي في عزلتها، بأطباق وأكواب من البلاستيك تستخدم لمرة واحدة.

  وتؤكد "أبعدتُ عن الجميع، وحتى أهلي صاروا يخشون الحديث معي إلا من خلال الشباك، ولم يخبروا أي أحد من الأقارب أو الجيران بإصابتي".

 

 وكان عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية، علي البياتي، اشار في تصريحات صحفية الى "حدوث حالات رفض من ذوي الفتيات والنساء المصابات بفيروس كورونا، واعتبار اصابتهن بفيروس كورونا امرا معيبا ومخلا بالشرف".

 وأضاف "هذه الحالات تحدث كثيرا لدى الفتيات والنساء اللواتي ابتلين بوباء كورونا "، لافتا الى "وجود مشاكل واعتراضات من قبل الأهالي على الحجر الصحي للنساء، فضلا عن اعتراضهم على تخصيص أماكن الحجر الصحي، فدوائر الصحة حين تخصص مستشفى معين في منطقة ما، لحجر المصابين بفيروس كورونا، يواجه الأهالي هذا الاجراء بالرفض بحجة الخوف، وينظمون تظاهرة أمام المستشفى بهدف الغاء الحجر الصحي".

 

وكان مدير دائرة صحة الكرخ  الدكتور جاسب الحجامي، اوضح في تصريحات صحفية، إن "معاناة المصابات بفيروس كورونا اكثر من النساء من الناحيتين الصحية والاجتماعية"، مؤكدا  ان  "نسبة الاصابات بين الاناث بلغت 40% من مجمل اعداد المصابين، الا ان نسبة الوفيات بين النساء المصابات بالفيروس بلغت 75%".

 

من جانبها، قالت الباحثة الاجتماعية مناهل صالح، ان "بعض العوائل والأسر تخشى على بناتهن من الفحص المختبري لفيروس كورونا، لأن الاصابة بالفيروس بنظرهم، وصمة عار يلازم الفتاة طوال العمر، ومن الممكن ان يحرمها فرصة الزواج والاستقرار"، مضيفة ان "اصابة الفتاة بالفيروس تدفع عائلتها للشعور بالخجل".

 

ونوهت الى ان "بعض ارباب الأسر يعتبرون وصول سيارات الاسعاف الى البيت لأخذ المريضة، امرا منافيا للأخلاق والأعراف، وأن كثيرا من المريضات تعرضن لرفض أسرهن لإيوائهن واعادة دمجهن بالأسرة مجددا رغم التعافي من المرض، خشية انتقال العدوى عبر احتمالية عودة الفيروس مرة اخرى الى المريضة التي تعافت من الإصابة به".

 واختتمت صالح حديثها بالتأكيد على "ضرورة تفعيل الدور الإنساني، والتحرر من الجهل والأعراف التي تعتبر إصابة الفتاة بفيروس كورونا وصمة عار، قد يعرض الفتاة التي تصاب به للاشمئزاز، فيما هو فيروس لا يختلف في حقيقته عن سائر الفيروسات الاخرى التي تصيب الانسان".

 ويبدو أن صيحات "النساء لا تحجر" طريقة أخرى تفقد بها الفتيات العراقيات حياتهن بدافع الشرف، وهذه المرة لإصابتهن بفيروس كورونا، ومنعهن من المبيت في الحجر الصحي بعيدا عن ذويهن الذين يعتبرون مبيتهن خارج المنزل عملا مخلا بالشرف ومخالفا للأعراف والتقاليد.

 

م/ العالم الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى