كورونا المحرّض على البطش بالنساء ــ هادي عزيز علي
غريغور سامسا بطل رواية (المسخ) لكافكا ولكي يمسك بزمام مصيره ويعيش حياته كأنسان عليه أن يرفض كل القوانين والتشريعات المذلّة والمهينة التي تتحكم بحياته وتسلب منه انسانيته ، وبخلافه عليه أن يقبل أن يكون حشرة وفي موقع الهامش من الحياة .
العنف ضد المرأة – في الغالب – عندنا ، يعود الى الرؤى الذكورية التي ترسخت واستمكنت وأصبح جزءاً من الموروث الثقافي الذي يرجع سلوك الغالب من الرجال اليه والفضل والحالة هذه يعود في مرجعيته الى المنظومة الفقهية السلفية ، وقسم ملفت من النظام القانوني العراقي الذي ما فتأ يهدر كرامة المرأة ويذلها . ففي كليهما شرعنة مؤسسية ضد المرأة وهي نظير للتشريعات المذلة والمهينة التي واجهت فريغور سامسا .
التطبيقات اليومية للمنظومة الفقهية تلك – حتى وإن لم ترد من قبل التشكيلات الراديكالية – تجد مجالها الخصب في التاويل ومن خلال امتلاك القدرة على لي اعناق النصوص لستجيب لإراداتهم ورغباتهم . فمثلاً يعتبررون اغتصاب النساء ، جائز شرعاً لأنه يدخل ضمن أحكام ملك اليمين ، وتعد السرقة عملاً مشروعاً لتحقق أحكام الغنمية فيه ، والقتل واجب لتطبيق أحكام الحدود ، وحرية المرأة مقيدة باحكام والنشوز المفضي الى بيت الطاعة ، والمهر ثمن شراء بضع المرأة ، والحجاب واجب شرعي لأن المرأة عورة ، والشيخ محمد زيد الابياني جوّز للرجل أن يتزوج أربعة نساء بعقد واحد وفي يوم واحد ، والرجال قوامون على النساء ويسقطون من الآية شطرها الأخير [ وبما انفقوا من أموالهم ] النساء 34 . والمرأة أفعى ، رغم شهادة البراءة التي منحتها النصوص القرآنية لها ضمن أحكام 37 من سورة النساء .
والأمر ذاته في نظامنا القانوني فالزوج له الحق في ضرب الزوجة تأديباً كما تفضي التطبيقات القضائية لذلك . لأن المادة 41 من قانون العقوبات تنص على : ( لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالاً للحق :" تأديب الزوج زوجته ..: ) . وتعاقب الزوجة عن جريمة الزنى وفي أي مكان تقع فيه المواقعة إلا أن الزوج يُعفى من حكمها إذا زنى خارج منزل الزوجية المادة 377 عقوبات ، والرجل يتمتع بالاعذار المخففة بالنسبة لجرائم القتل (جرائم الشرف ) المادة 409 . وفي القانون المدني : ( الزوج ذو شوكة على زوجته ..) المادة 116 مدني وفيه أيضاً التقيد بأحكام العادات ولو كانت مهينة للأنسان فهي واجبة التطبيق : ( إنما تعتبر العادة اذا أطردت أو غلبت والعبرة للغالب الشائع لا للنادر الضائع ) المادة 165 مدني ، أما في قانون الأحوال الشخصية فلا زالت أحكام المطاوعة تجد تطبيقتها في كل محاكم الأحوال الشخصية رغم كونها منسوخة – كما يقول الشيخ محمد الغزالي – بالاية 229 من سورة البقرة [ الطلاق مرتان فأمساك بمعروف أو تسريح بأحسان ] .
وأمام هذا الوضع التشريعي نجد أن أحكام وقرارات مجلس الأمن الدولي التابع للامم المتحدة والمصادق عليها عراقياً والمتعلقة بالمرأة تشكل الخاصرة الرخورة في المنظومة التشريعية العراقية ، وابتداءً من سيداو حتى القرار 1325 ، وذلك لفقدانها للسلطة التنفيذية التي تجعل أحكامها موضع التطبيق ، فالقرار 1325 ورغم الخطط والبرامج والستراتيجيات التي اسبغتها عليه السلطة التنفيذية والضجيج الملفت في تناوله من قبل السلطة التنفيذية ورغم ذلك ففي ظله نزحت النساء من المدن والقرى الى المخيمات . وتحت أحكامه تم سبي ال‘يزديات . وفي فترة سريانه قدمت ثلاثة مشاريع للاحوال الشخصية الجعفرية . وبالإجمال فأن وضع المرأة كان أفضل قبل تشريعه . ولا بد والحالة هذه من إيجاد الآلية المطلوبة لإنفاذه وبعقلية غير العقلية الحالية المتخاصمة معه أصلاً .
كورونا المسترخي في المنازل وجد سبيله في تثوير الأحكام الفقهية والنظم القانونية تلك في عقول البعض من الرجال وحرّض على استهداف الحلقة الاضعف في العائلة وتتواتر أخبار الاعتداءات حرقاً وقتلاً وتشويهاً ، حتى أصبح العنف ضد المرأة يشكل وباء لا يقل خطورة عن وباء كورونا في عدد الضحايا وأماكن تواجده . فالرجل عندما يقوم بأيذاء المرأة وأهانتها فانه ينطلق في الحق الممنوح له لارتكاب تلك الأفعال وضمن أحكام المنظومتين الفقهية والقانونية المشرعنة لقسوته تجاه المرأة ، الأمر الذي دفع انطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة أن يطلق صرخة استغاثة للوقوف بوجه وباء العنف الأسري .
ولا من سبيل لتغيير الوضع القائم سوى الإسراع بتشريع قانون مناهضة العنف الأسري ، إذ أن أحكامه تعد ضرب الزوجة جريمة يعاقب عليها القانون وليس فعلاً مباحاً يأتيه الزوج متى ما يشاء وكيف ما يرغب . معلوم أن العقلية الذكورية وكما هو مبسوط اعلاه تقف حائلاً دون صدورالقانون الذي عملنا عليه منذ تشكليل لجنة إعداده المشكلة في وزارة المرأة حينئذ عام 2010 ولغاية كتابة هذه السطور ، إلا أنه لا يزال في الادراج العليا لمجلس النواب منذ ذلك التاريخ والى يومنا هذا ، وما العنف ضد المرأة المشهود حلياً إلا أثر من آثار غياب النصوص الرادعة ، فمن أمن العقاب أساء الأدب .