في يوم البيئة العالمي.. مجاري العراق تصب في دجلة والفرات

سيف العبيدي – شبكة الساعة
يحيي العالم في الخامس من يونيو/ حزيران كل عام، اليوم الدولي للبيئة لتعزيز الوعي والعمل من أجل البيئة.
ويعاني العراق منذ سنوات من ارتفاع معدلات التلوث البيئي، وتعد العاصمة بغداد من أكثر المحافظات العراقية تسجيلا لنسب التلوث بعد أن قارب عدد سكانها 9 ملايين نسمة، رغم أنها من أصغر محافظات العراق من حيث المساحة، لكنها تضم معامل ومصانع ونشاطات صناعية وتجارية متعددة، بعضها داخل الأحياء السكنية.
ويعزو مراقبون ارتفاع نسب التلوث في العراق لغياب التخطيط والعشوائيات وعدم بناء مدينة إدارية جديدة للتخلص من التلوث الذي بلغ مستويات خطيرة أثرت على صحة الإنسان.
تلوث دجلة والفرات
تعد مياه الصرف الصحي من أخطر المخلفات السائلة التي تطرح في مجاري المياه الرئيسية وأبرزها دجلة والفرات كون هذه المخلفات تحتوي على تراكيز عالية جداً من العناصر الثقيلة Heavy Metals التي يصنف تواجدها في أي بيئة مائية بأنه سام عندما يتعدى التراكيز المثبتة كحدود عليا في كل من المحددات العراقية WQI والمحددات العالمية وهي كل من WHO منظمة الصحة العالمية و EPA وكالة حماية البيئة الأمريكية، بحسب ما ذكر الخبير البيئي العراقي أيمن قدوري.
وقال قدوري إن “التعرض إلى تراكيز عالية من العناصر الثقيلة يؤدي إلى كثير من أمراض الجهاز الهضمي والتنفسي، فضلاً عما قد تحمله مياه الصرف الصحي من بكتيريا وفيروسات تنتقل من شخص مصاب بمرض معين كالتهاب الكبد الفيروسي إلى شخص آخر سليم عن طريق التعرض لمياه النهر الملوثة بمياه الصرف الصحي”.
وأضاف: أنه “من خلال الدراسات الأكاديمية والبحوث المحلية المنشورة في مجلات عالمية رصينة وثقت انحدارا كبيرا في مستوى نقاوة نهري دجلة والفرات، حيث أشارت معظم توصيات هذه الدراسات إلى الابتعاد عن شرب مياه الأنهار وبعضها أوصى بالابتعاد عن السباحة في مجاري الأنهار خصوصاً في الوقت الحالي”.
ويرى الخبير قدوري أن هذه الاستنتاجات صحيحة 100% حيث تم توثيق تلوث نهر دجلة بمياه الصرف الصحي والمياه الصناعية والمياه الملوثة بالمخلفات الزراعية التي تطرح في مجرى النهر عبر قنوات البزل في بغداد ومحافظات الفرات الأوسط وجنوب البلاد بشكل تعدى ما نسبته 84% من مجاري النهرين.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكمية و النوعية مترابطتان ويتناسبان بشكل عكسي في قضية المياه حيث كلما كانت كمية الإيرادات قليلة ترتفع تراكيز الملوثات في مجاري الأنهار لعدم وجود كمية كافية من المياه قادرة على الاستمرار بعملية تخفيف هذه الملوثات ودفعها عن قنوات البلدية الخاصة بتجهيز المدينة بالمياه ما يؤدي إلى ترسيبها في جسم المجرى المائي فترتفع نسبة التراكيز في رواسب النهر وتكون مصدرا مستمرا لتلويث المياه الجارية ولمدى زمني متوسط، وعلى العكس في حال كانت كمية الإيرادات المائية عالية تساهم في درء جزء من يسير من مخاطر الملوثات المطروحة في مجاري الأنهار.
وأضاف قدوري أن “قضية استحصال الحقوق المائية للعراق من دول المنبع هي الأهم على مستوى استعادة الأنهار العراقية عافيتها مع الأخذ بنظر الاعتبار مكافحة كل أشكال التجاوز على مجاري النهرين وتجريم عملية طرح المخلفات المنزلية، البلدية، الصناعية، الزراعية و الدوائية إلى مياه الأنهار في كلا الموسمين موسم الزيادة المائية وموسم النقصان على حد سواء لما يترتب على هذا الفعل من أضرار لعامة مواطني المدن العراقية، وهذا الأمر يتم من خلال تشريعات قانونية تواكب الأحداث البيئية الحالية وتفعيل تشريعات مركونة من ضمنها قانون حماية وتحسين البيئة المشرع عام 2009 تحت عنوان “حماية وتحسين البيئة” ومراقبة ودعم الجهات التنفيذية وتحديداً وزارة البيئة العراقية بغية الوصول لأعلى مستويات الالتزام من قبل الجميع مواطن كان أو مسؤول.
أما مدير برنامج العدالة البيئية وأمن المناخ فلاح الأميري فحذر من مخاطر تلوث وشح المياه في العراق، وأكد أهمية أن توضع خطط من الحكومة للحفاظ على الموارد المائية داخليا قبل التفكير في مصادرها خارجيا.
وقال الأميري إن “هنالك آليات أخرى في تعظيم الإيراد المائي بالحفاظ على الموارد المائية من الاستنزاف والهدر قبل تعظيمها في زيادة موردها، وهي طرق رشيدة وحكيمة في إدارة هذا الملف تتبعها أغلب الدول”.
وأضاف: أن “التغير المناخي قد عصف بالعالم وليس العراق فقط الذي هو أكثر هشاشة في محال التكيف المناخي وارتفاع نسب التلوث”، وأوضح أن الإهمال للموارد المائية في الأنهار داخل العراق من قبل الحكومة وهو بنسبة أعلى والمواطنين بنسب أقل، جعل من هذه الأنهار ملوثة بجميع أنواع الملوثات، مشيرا إلى أنها لا تصلح أحيانا حتى لتربية الأسماك والثروة الحيوانية فضلا عن كونها غير صالحة للشرب بشكل مباشر، كما هو الحال في آخر نقاط عند ملتقى نهري دجلة والفرات في شط العرب.
وتابع: أن “الغريب في الأمر أن مياه الصرف الصحي تعد من الموارد الاقتصادية المهمة ومن العوامل المساعدة للتوازن البيئي في حال أن استغلت كونها ذات فائدة كبيرة في عملية الزراعة المفيدة لتحسين البيئية والتوازن البيئي ولا نقصد للزراعة الغذائية، ومن الممكن دفعها إلى منخفضات في الأراضي الخالية وهي وحدها تقوم في عملية الدورة الإنباتية وتحويل المساحات الجرداء إلى غابات أو تجمع نباتي يزيد من مستوى الغطاء النباتي وتكون عملية تصفية وتماسك للتربة ومن ثم تتحول إلى مياه جوفية قسم منها، بدل أن تلقى مباشر إلى الأنهار الكبيرة أو الصغيرة.
تقصير حكومي
أضاف مدير برنامج العدالة البيئية وأمن المناخ فلاح الأميري: أنه “ورغم هذه المعاناة والانهيار البيئي وتلوث وشح المياه الذي تعترف به الحكومات أمام الإعلام ما زالت الحكومات لم تحرك ساكنا ولم تحول مجرى واحدا من مجاري الصرف الصحي عن الأنهار وهذا تحدٍ لهم أن كان هنالك ولو مبادرة حكومية لسد أو تحويل أنبوب واحد لمياه الصرف الصحي في عموم العراق عن الأنهار.
وأكد أن الاستمرار في تدفق مياه الصرف الصحي إلى الأنهر مع تراجع المخزون وقلة الإيرادات المائية إلى أدنى مستوى ومع ارتفاع درجات الحرارة، يجعل نسبة التراكيز من الملوثات ترتفع بنسب كبيرة لأن حجم الملوثات باقية نفسها بسبب حجم الاستخدام والكتلة المائية العذبة في الأنهار تراجعت إلى دون النصف وهذا مؤشر خطير ينذر بكارثة خطيرة مع بطئها الموسمي في هذا الصيف وستبدأ مع الثروة السمكية والكائنات الحية ثم تكون واضحة على صحة الأفراد، إذا لم تعالج.
مياه لا تصلح للاستهلاك البشري أو الحيواني
حذر الباحث والخبير البيئي رمضان حمزة من أن مياه الأنهر في العراق لن تصلح خلال السنوات المقبلة حتى للحيوانات أو الأغراض الزراعية في حال استمرت معدلات التلوث بالارتفاع دون معالجات.
وقال حمزة لشبكة “الساعة” إن: اليوم العالمي للبيئة ركز هذا العام على تأثير التلوث في المواد البلاستيكية على التلوث البيئي ومخاطر ذلك على الإنسان.
وأوضح حمزة أن العراق يعاني من مشكلة تلوث مياه الأنهار بنسب أعلى من غيرها، إذ أن تسرب المياه الصرف الصحي والثقيلة التي تلقيها المصانع والمستشفيات والمنشآت النفطية إلى مياه غير صالحة للاستخدام البشري.
وأكد أن خطورة مياه الصرف الصحي تمكن في وجود معادن ثقيلة في تلك المياه والتي تصب مباشرة في الأنهر دون معالجات.
واقترح حمزة أن تلجأ الحكومية العراقية إلى حلول ومعالجات سريعة ومدروسة من بينها التعاقد مع شركات تركية لنصب محطات معالجة مياه الصرف الصحي قبل أن تصب بالأنهر، شرط أن تزيد الحكومة التركية من نسب الإطلاقات المائية للأنهر، وبذلك يكون العراق قد حقق غرضين في مكافحة التلوث ومعالجة شح المياه في وقت واحد وبخطوة واحدة.