في العيد… مصر تكافح التحرش بالشرطة النسائية
محيط الأماكن الجاذبة الشباب والمراهقين من الجنسين للفسحة في العيد تحوَّلت إلى أماكن تستدعي الانتشار الأمني والوجود التطوعي لأفراد من جمعيات أهلية. ميدان التحرير بحديقته الضخمة المستديرة، حديقة حيوان الجيزة، كورنيش نهر النيل، هضبة الأهرامات، شوارع وسط القاهرة لا سيما المناطق المحيطة بدور العرض السينمائية وغيرها تتحول في هذه الأيام "المُفترجة" إلى ما يشبه الثكنات الأمنية تحسباً لطفح هرمونات مراهقين هنا أو هياج ذكوري هناك.
علم النفس الاجتماعي يؤكد أن العمل الجمعي يُكسب الأفراد العاديين شعوراً بقوة إضافيَّة، قد لا يكون لها وجود فعلي، وذلك بفعل وجودهم ضمن حشد هادر عالي الصوت.
يقول الطبيب والمؤرخ وصاحب المؤلفات في مجال الأنثروبولوجيا غوستاف لوبون في كتابه "سيكولوجية الجماهير" إن "الجماهير تكتسب الشعور بقوة إضافية لمجرد وجودهم ضمن حشد، ويأتون بسلوكيات لا تعبر بالضرورة عن حقيقتهم، وهنا تظهر سلوكيات عدوانية وعنف غير مبرر".
حجج واهية
تبرير التحرش الجماعي، تلك الظاهرة التي عرفتها مصر بشكل واضح في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، بشكل ملابس الفتيات، وقهر الفتيان، وتأخر سن الزواج، وضيق ذات اليد، ووضع الاقتصاد المتأزم، والابتعاد عن الدين، إلى آخر قائمة الحجج الواهية لم يعد مقبولاً هذه الآونة، على الأقل من قِبل القلة المحتفظة برجاحة عقل وقوة منطق.
منطق العلاقة بين المتحرش والمتحرش بها له جذور تمتد إلى سنوات طويلة من الإرث الثقافي والاجتماعي، الذي ارتدى عباءة دينية في العقدين الماضيين. فالمرأة تجد نفسها حبيسة خانة "أداة الجنس" و"مواطن درجة ثانية" و"مفعول به" يجب أن يبقى منصوباً غير قابل للرفع. وتُرفع كل الحجج، وتتضاءل كل الأعاذير أمام عبارات دينية مجتزأة أو مستخدمة خارج سياقها، مصحوبة بتفسيرات عقائدية مشوَّهة جعلت من الكائن الأنثوي أجهزةً تناسليةً، لا رأس لها أو مشاعر أو حق تقرير المصير.
مصائر المحتفلين بالعيد ممن يعتنقون التحرش أسلوب احتفال بالأيام المفترجة و"المناسبات الدينية" من عيد فطر وأضحى وغيرهما تأرجحت بين التشجيع الضمني عبر مباركة التحرش إلى محاولات الدرء تحت شعار "لو أختك ترضى لها ذلك؟"، وأخيراً التعرّض للعقاب بحكم القوانين المجرمة التحرش.
تأمين الفتيات والنساء
التحرش والعيد أو العيد والتحرش صارا كلمتين متلازمتين خلال العقد والنصف الأخيرين. ويشار إلى أن المدوّن المصري وائل عباس كان أول من جذب الانتباه العلني إلى التحرش الجماعي كوسيلة من وسائل الاحتفال لدى جموع المحتفلين في الميادين، وذلك في أيام العيد عام 2006.
وفي 2019، يمكن القول إن مصر خطت خطوات أمنيَّة وفعليَّة عدة تجاه تأمين الفتيات والنساء في الأعياد.
حضورٌ شرطي نسائي ملحوظ في ميادين المدن الكبرى بات معروفاً لدى الغالبية. في ميدان التحرير يقفن متناثرات بوجوه غير عابسة، لكنها أيضاً غير عابثة. صرامة لا تخلو من تفهم أنثوي لما يجري حولهن.
حول الشرطة النسائية في ميدان التحرير جموع من المراهقين والمراهقات، عيون الشرطيات تجوب الميدان وتتفحص الصبية والفتيات، عمليات المتابعة والرصد لا يقطعها سوى رغبة البعض في التقاط الصور التذكارية مع شرطة مصر النسائية. ورغم وجودها بالشوارع منذ سنوات، فإن عضواتها يبقين مثاراً للنظرات أغلبها إعجاب، وبعضها استهجان.
احتفال وحذر بالغ
الأجواء احتفاليَّة شعبية، ركضٌ وغناءٌ وطبلٌ وأكلٌ وشربٌ وبالونات وحذرٌ بالغٌ من قِبل الراغبين في مصادقة فتيات في الميدان. قبل سنوات قليلة مضت، لم يكن هناك أدنى حذر أو أقل مراعاة. لم يكن عيد يمر إلا وعشرات الفتيات في هذا الميدان يُتحرّش بهن في ظل صمت تام من قبلهن، ومن يتصادف مرورهن في الميدان. كانت اليد العليا للمتحرشين حيث لا قانون نافذ أو عرف سائد.
لكن ساد الأدب ميدان التحرير وغيره من الميادين في هذا العيد، وذلك في ظل انتشار واضح وصريح للشرطة، فالرسالة واضحة "من أمن العقاب أمعن في التحرش، ومن رأي آليات العقاب التزم بالآداب".
آداب الاحتفال بالعيد لا تنصّ على التحرش بالإناث، أحد عناصر الشرطة النسائيَّة تقول إن "التحرشات الجماعيَّة في العيد مشكلة مجتمعية، وليست أمنية فقط، وحيث إن دور البيت والمدرسة والإعلام في التربية والتقويم والتثقيف لا يمكن استرداده بين ليلة وضحاها، فإن وزارة الداخلية تقوم بدور مضاعف لتحجيم هذه المشكلة، لا سيما في العيد".
وتضيف "خطتُنا تعتمد على انتشار أمني، لا سيما من قبل الشرطة النسائية، في الأماكن التي يتردد عليها المحتفلون بالعيد، وأغلبهم يكون من السن الصغيرة. لذلك نعمل كذلك على حملات التوعية بتنظيم ندوات ولقاءات وبث رسائل إعلامية بالتعاون مع الجهات المختصة ومنظمات أهلية للعمل على علاج الأسباب التي أدت إلى تفاقم التحرش في الشوارع، لا سيما في الأعياد".
المتحرش يفكر مرتين
وهي تشير إلى أن عدداً قليلاً من الحالات تُتخذ بالفعل إجراءات قانونية حيالها، وذلك لأن الانتشار الشرطي المكثف، الذي أصبح سمةً من سمات العيد بات معروفاً لدى الجميع، وهو ما يجعل المتحرش يفكر مرتين وثلاثاً قبل أن يتحرّش.
من جهة أخرى، فإن وسائل الإعلام أصبحت تتطرق كثيراً إلى العقوبات المنصوص عليها في القانون مع الإعلان عن الحالات التي تُرصد وإلقاء القبض عليها والقوانين التي يحاكمون بناء عليها، كل ذلك خلق جواً من الردع في أيام الأعياد.
يشار إلى أن القانون المصري يحوي ترسانة من البنود الخاصة بالتعرض اللفظي أو الجسدي للإناث، وذلك في حال تقدَّمت الضحية، وحررت محضراً، وثبت التحرش بها. وتتراوح العقوبة بين خمس وسبع سنوات لجرائم هتك العرض.
وجدير بالذكر أن لفظ "تحرش" لم يكن له وجود في القوانين المصرية إلى أن أُدرج في المادة 306 مكرر من قانون العقوبات.
العقوبات ليست السلاح الوحيد المستخدم ضد المتحرش، منظمات المجتمع المدني نشطت كثيراً في مجال مناهضة التحرش والتوعية به، سواء بين جموع المتحرشين أو المتحرش بهن. فالتحرش السياسي بمتظاهرات ضد النظام في سنوات ما قبل يناير (كانون الثاني) 2011، وبعده التحرش بمن تجرأن بالتظاهر ضد حكم الإخوان في عامي 2012 و2013، وانتهاء بالتحرش بالإناث كنوع من الاحتفال ما يعكس عواراً ثقافياً واجتماعياً وبالطبع دينياً تعني أن المجتمع المدني له دورٌ كبيرٌ في هذا الملف.
"مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون" أعلنت قبل العيد بأيام تدشين غرفة عمليات لرصد وتوثيق جرائم العنف الجنسي، التي تستهدف النساء خلال فترة عيد الأضحى المبارك. وخصصت خطاً ساخناً للمساعدة القانونية للناجيات من التحرش الجنسي خلال أيام العيد، وتلقي البلاغات الخاصة بهن لمساعدتهن قانونياً، مع ضمان السرية.
أمينة خيري/ الاندبندنت العربي