المرأة والمجتمع المدنيمقالات الرأي

صرخة نسوية ضد تعديل قانون الأحوال الشخصية

1 نوفمبر 2024

نادية محمود

يُنظر إلى مشروع قانون الأحوال الشخصية العراقي على أنه تهديد حقيقي لحقوق المرأة والطفل: نساء عراقيات يتظاهرن ضده.

مع إصرار القوى الإسلامية الشيعية في العراق على تعديل قانون الأحوال الشخصية، تزداد المخاوف من أن يهدد ذلك حقوق النساء والأطفال، في الوقت الذي تحشد الجمعيات النسوية والقوى المدنية الليبرالية لإيقافها.

لطالما صمد قانون الأحوال الشخصية العراقي لعقود أمام محاولات تعديله أو إلغاءه. ورغم ذلك، تبدو القوى الإسلامية الشيعية تقترب من تحقيق حلمها أخيرا مع وصول مقترح تعديل القانون الذي قدمته الأحزاب الشيعية إلى مرحلة متقدمة أمام البرلمان. وقد يتم تمرير مشروع القانون في أي وقت من هذا العام بعد اجتيازه القراءة الثانية في 16 سبتمبر/أيلول الماضي.

وتمنح التعديلات المقترحة مجالس الأوقاف السنية والشيعية في العراق الحق في وضع قواعد جديدة للأحوال الشخصية تتوافق مع الشريعة الإسلامية في غضون ستة أشهر من إقرار مشروع القانون. وقد تؤدي التعديلات إلى إلغاء السن القانوني الحالي للزواج وهو 18 عاما، مما يمهد الطريق لزواج القاصرات، فضلا عن حرمان النساء والفتيات من حقوقهن فيما يتصل بالطلاق والميراث.

تلك ليست المرة الأولى التي تحاول فيها القوى الإسلامية الشيعية تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 الصادر عام 1959. إذ تعتبره أعلى المرجعيات الشيعية مخالفا للإسلام. تقول الأكاديمية العراقية والأستاذة بكلية التربية بجامعة المثنى العراقية، الدكتورة مها مزهر كاني المرشدي، في دراسة نشرتها عام 2022، إن المعترضين من رجال الدين الشيعة يعتبرون القانون “يعطي القاضي سلطة الفقيه الشرعي ويسد باب الاجتهاد في الأحكام الشرعية”. وهذا بالطبع ينزع من رجل الدين صلاحية لعب أي دور في الأحوال الشخصية للمواطنين ويحيلها إلى مؤسسات الدولة.

محاولات فاشلة
بعد سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين عام 2003، اقترحت القوى الإسلامية الشيعية إلغاء القانون برمته لتحل محله الشريعة الإسلامية. حينها قدّم عبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى وعضو مجلس الحكم العراقي، مقترحا لإلغاء القانون في ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته، لكن لم تنجح تلك المحاولة بسبب الاحتجاج النسوي ورفض القوى المدنية اليسارية.

غير أن القوى الإسلامية الشيعية تمكنت عام 2005 في إقحام المادة 41 بالدستور العراقي والتي تنص على أن “العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون”. ورغم ذلك، تم تعليق العمل بتلك المادة المثيرة للجدل بسبب اعتراضات المجتمع المدني عليها.

في عام 2014، عاودت الأحزاب الإسلامية الشيعية، المحاولة، عندما أعدّ وزير العدل والقيادي بحزب الفضيلة الشيعي حسن الشمري، مشروع قانون للأحوال الشخصية للطائفة الشيعية عُرف باسم “القانون الجعفري”، إلا أنه رُفض مثل سابقيه.

بالنسبة للسياسيين الشيعة في العراق اليوم، المنقسمين بين الأحزاب التي تشكل الإطار التنسيقي (الائتلاف الشيعي الحاكم) والتيار الصدري، تمثل الأحوال الشخصية ساحة صراع سياسي بينهما، إذ يتنافس الفريقان على تقديم قوانين تتوافق مع المذهب الشيعي.

ورغم انقسامهم، فقد تمكنوا من العمل معًا هذا العام لإدخال العديد من القوانين التي تعزز أجندتهم. ففي أبريل/نيسان، أقرّ البرلمان قانونا لتجريم المثلية الجنسية، قدمه عضو البرلمان عن حزب الفضيلة الشيعي رائد المالكي. كما وافق البرلمان العراقي، في 22 مايو/أيار الماضي، على مقترح قدمه برلمانيون مقربون من التيار الصدري الشيعي، باعتبار يوم الغدير عطلة رسمية بالعراق، وهو يوم عيد ديني تحتفل به الطائفة الشيعية فقط.

تمرير قوانين مثل هذه، أعطت الأحزاب الشيعية دفعة ثقة للعودة مرة أخرى إلى استهداف قانون الأحوال الشخصية الذين فشلوا في تعديله على مدى عقدين. إذ فوجئت المعارضةبمشروع تعديل قانون على جدول أعمال جلسة مجلس النواب التي عقدت الصيف الماضي.

أثار مشروع القانون عاصفة من الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي، واحتجاجات من المنظمات النسوية والنائبات والأحزاب السياسية الليبرالية. لكن المشرعين ردوا بأن التعديل يتماشى مع الدستور، ولا سيما المادة (2) التي تنص على أنه لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام، والمادة 41 التي سبق وأقرّت عام 2005.

التعديلات الجديدة؟
ويختلف مشروع القانون الحالي اختلافًا كبيرًا عن مشروع القانون الجعفري لعام 2014، من حيث أنه لا يتضمن قائمة بتعديلات جديدة محددة. وبدلاً من ذلك، فإنه يمنح مجالس الأوقاف السنية والشيعية سلطة وضع القواعد الخاصة بها، على أن تعتمد على رأي المشهور عند فقهاء كل مذهب ديني.

وبعبارة أخرى، يطلب النواب الشيعة من البرلمان التوقيع على “شيك على بياض”، لتصويت برلماني على قانون لم يُكتب بعد، ومضمونه غير معروف. لا أحد يعلم بالضبط ما الذي سيتم تعديله ليحل محل قانون الأحوال الشخصية الحالي، ولكنه من المرجحخ أن تكون متسقة مع مشروع قانون الجعفري، المستوحى أحكامه من المذهب الجعفري الشيعي بالعراق، الذي تم رفضه قبل 10 أعوام.

وبينما يقر القانون الحالي سن الزواج للإناث عند بلوغهن سن الـ18 عاما، من المرجح أن يخفض القانون الجديد سن الزواج إلى 15 عاما، وهو ما لا يسمح له حاليا إلا في ظروف محددها يقدرها قاضي المحكمة. كما أن مؤيدي تعديل القانون يسعون إلى خفض سن الزواج أكثر من ذلك. أي أن التعديل الجديد سيشرعن زواج القاصرات، والاستغلال الجنسي للأطفال. ووفقًا للمذهب الشيعي، فإن سن النضج والرشد مرتبط بالبلوغ الجنسي، وهو تسع سنوات، ويمكن الزواج قبل بلوغ هذا السن، ولكن دون اتصال جنسي.

وبينما يشترط القانون الساري، تسجيل عقود الزواج رسميا في محاكم الدولة، وأن أي زواج خارجها يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون بغرامات مالية، إلا أن مشروع القانون يطالب بمنح رجال الدين والمجالس الدينية صلاحية عقد الزواج، ومن ثم توثيقه لاحقا بالمحاكم. وهذا يعني أيضًا أنه إذا لم يوافق الزوج على تسجيل الزواج رسميًا، فقد يكون من الصعب على المرأة إثبات حدوث الزواج.

وبموجب القانون الحالي، يعتبر الزواج من زوجة واحدة، ولكن في حالات محددة، يتم قبول الزواج من امرأة ثانية شريطة موافقة الزوجة الأولى. وقد يزيل التعديل الجديد العقبات أمام تعدد الزوجات، إذ يعتبر مقدمو مشروع القانون تعدد الزوجات مسألة دينية، ولا يجب أن يخضع لأية شروط. كذلك قد يسمح التعديل بشرعنة الزواج المتقطع أو المؤقت المعروف باسم زواج المسيار أو المتعة، وهو ما تعتبره المنظمات النسوية، شكلا من أشكال الاتجار بأجساد النساء.

ويمكن أن تفقد المرأة المطلقة بعض الحقوق التي يوفرها القانون الحالي مثل الحق في البقاء بالمنزل الزوجي لمدة 3 سنوات بعد الطلاق، وكذلك بعض حقوقها في حضانة الأطفال. وقد يعني التعديل إلى أن المرأة المطلقة لن تحصل إلا على المهر المتفق عليه عند الزواج فقط.

وفي حين أن القانون الحالي يمنح المرأة نفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل في جميع أشكال الميراث، فإن مشروع القانون الجديد يمكن أن يحرم المرأة من حقها في وراثة الأرض في حالة وفاة الزوج. ومن المحتمل أيضًا أن ترث المرأة بموجب القانون الجديد نصف ما يرثه الرجل من زوجته عند وفاتها.

حراك مجتمعي
مع بدء مناقشة مشروع القانون، تشكلت فورا مجموعات على منصات التواصل الاجتماعي، جمعت النساء والرجال من أنحاء العراق ومن خارجه، تندد به وتطالب بعدم قراءته بالبرلمان. ودشنت عضوات بمجلس النواب، لأول مرة، تكتلا نسويا برلمانيا لمعارضة تمرير القانون. قبل أن يصبح التكتل جزءا من تحالف 188 (نسبة إلى رقم القانون الحالي) إلى جانب عشرات المنظمات النسائية والقوى السياسية العلمانية ومجموعات المجتمع المدني والنواب الحاليين والسابقين والمحامين والأكاديميين والإعلاميين. وتحت شعار “لا للتعديل”، أعلن التحالف دفاعه عن القانون، ونظموا 3 تظاهرات في أنحاء مختلفة العراق لرفض التعديلات المقترحة.

امتد رفض القانون إلى أوساط مهنية مختلفة أخرى، مثل صاحبات صالونات حلاقة، اللاتي امتنعن عن تجميل عرائس دون السن القانوني، ورفض صاغة ذهب بيع مصوغات للزوجات إذا كن قاصرات. كما ظهرت العديد من الرسوم الكاريكاتيرية المنتقدة للتعديلات، وكذلك البرامج السياسية الساخرة، مثل برنامج “البشير شو” الذي خصّص حلقة تليفزيونية عنها استقطبت أكثر من مليون مشاهدة في يوم واحد.

فيما حذر السياسي العراقي البارز إياد علاوي زعيم ائتلاف الوطنية الذي يضم قوى سياسية مدنية وشخصيات سياسية ليبرالية، من تمرير مشروع القانون واصفاً اياه بالكارثة التي يجب إيقافها. كما أبدت الأحزاب السنية، تمسكها بالقانون الحالي وأعلنت أنها لن تقدم مدونة للأحوال الشخصية للسنة في حال إقرار التعديلات.

لكن أنصار مشروع القانون من الأحزاب الدينية الشيعية والعشائرية ردوا بالعنف. فقد تعرضت مجموعة من تظاهرة نسوية للهجوم في محافظة النجف ــ المركز الديني للعراق الشيعي ــ أثناء رفعها لافتات كتب عليها “لا للتعديل” و”لا لزواج المتعة”. لأمر الذي أثار سخطا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي. كذلك، تعرضت النسويات وبعض المحامين إلى حملة تشهير، وقذف، وعقوبات، حتى من قبل نقابة المحاميين نفسها مثل المحامي محمد جمعة الذي أُحيل إلى المجلس التأديبي بعد تصريحه بأن التعديلات المقترحة تُعيد “نساء العراق إلى زمن الجواري”.

كما دافعت رئيسة لجنة المرأة في مجلس النواب، دنيا الشمري، عن المقترح، قائلة إن التعديلات الجديدة قد أسيء فهمها، وأنها تدافع عن حرية الاختيار الشخصية، باختيار المذهب حسب مشيئة الأفراد. كما عبر مجلس القضاء الأعلى عن تفهمه للتعديل، وتعاطفه معه، واعتبر أنه لا يتعارض مع مبادئ الدستور.

حتى أن الرفض المجتمعي الواسع لمشروع القانون، دفع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لمحاولة تهدئة الموقف، قائلا إن “المجلس الأعلى لشؤون المرأة سيناقش جميع الملاحظات التي أثيرت حول تعديل قانون الأحوال الشخصية”.

“تأثير مدمر”
ترى الجمعيات النسوية العراقية والمنظمات الدولية أن محاولة الأحزاب الإسلامية فرض قوانين دينية وطائفية على المجتمع تشكل تهديداً حقيقياً لحقوق المرأة والطفل. كما أنها تخشى من أن القوى الشيعية لن تتوقف عند تغيير قانون الأحوال الشخصية فحسب، بل ستحاول إعادة صياغة قوانين أخرى وفقاً لرؤيتها الطائفية.

ودعت منظمة العفو الدولية، إلى إسقاط التعديلات المقترحة. وقالت في بيان: “يجب على المشرعين العراقيين أن يستمعوا إلى تحذيرات المجتمع المدني، ومجموعات حقوق المرأة، من التأثير المدمر لهذه التعديلات”.

“. كما أعرب خبراء مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في رسالة للحكومة العراقية سبتمبر/أيلول الماضي، عن قلقهم إزاء مشروع القانون. وحذرت من أنه “يهدد بتقويض التزام العراق بضمان المعاملة المتساوية للنساء والأطفال”.

وعلى الرغم أن البرلمان لم يعلن بعد عن موقفه النهائي من مشروع القانون، إلا أن فرص طرحه للتصويت قائمة، مع الوضع في الاعتبار أن محسن المندلاوي، نائب رئيس البرلمان -الذي يتولى مسؤولية البرلمان، بالنيابة، حتى انتخاب رئيس برلمان جديد-، انحاز إلى جانب مؤيدي التعديل. فبينما وافق على طلب 100 نائب لمناقشة القراءة الأولى لمشروع القانون في أغسطس/أب، رفض طلبا قدمه 124 نائبا لتأجيل القراءة الثانية.

وبينما تحشد الحركات النسوية والمدنية الدعم للحفاظ على القانون 188، باتت الأحزاب الشيعية على بعد خطوة واحدة من تحقيق حلمها بتعديل القانون.

قنطرة 2024

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى