سراب ..
كتبت مها محمد
سالتني الباحثة الاجتماعية: ست ندى،هل فكرت طويلا قبل أن تتشبثي بالطلاق؟
لم انبس ببنت شفة،لكنني اومأت لها ان تبادر بسؤال زوجي اولا.
طرحت عليه السؤال ذاته.وراح يتحدث عني بغرابة:بانني انسانة غريبة الاطوار،اتصرف كطفلة ،لا أحترم المسؤولية، و.و.و.وفوق كل ذلك فاني عاقر!
هكذا اذن اصبحت عاقرا و لم يمض على زواجنا سنة واحدة!
نظرت الى زوجي مليا وعدت بنفسي الى خمس سنين خلت، كنت اشعر خلالها انني امتلك الدنيا وما فيها.كان طالبا معي في الكلية.وسيما،هادئا،وقورا،ذا شخصية ساحرة،تصرفاته متزنة، وفوق ذلك،فإنه مولع بي.كان يلاحقني ويتتبع خطواتي،ويهتم بامور دراستي،حتىى ازددت اعجابا به،و اصبح وجوده في صباحاتي امرا يبعث في نفسي تفاؤلا غريبا.
تحدثت لوالدتي عنه،فنصحتني ان اولي لمستقبلي الدراسياهتماما اكبر،وان ادع سخافات الاعجاب والحب جانبا.
لكنه اصر على رؤية امي، واقنعها ان يتقدم لخطبتي ويرتبط بي رسميا،على ان نؤجل مسألة الزواج الى مابعد التخرج.
وفعلا اجرينا مراسيم الخطوبة وعقد القران في حفل صغير ضم الاهل والاصدقاء، كنت اشعر فيها انني احلق في سماء فسيحة، وانني حققت ما كنت اصبو اليه.
انا رومانسية، هادئة، احب الشعر،اهوى الرسم، واعزف الموسيقى.وكان يبدي تشجيعا لي مؤكدا ان هذه الهوايات ترتقي بالمرأة الى فضاءات رحبة، وتنمي من شخصيتها وتجعلها متميزة عن الاخريات.
وحان موعد الزفاف .. كدت اطير فرحا لانني ساعيش في كنف رجل يهواني ويتفق في ميوله معي بشكل لا مثيل له .بيد ان احلامي ذهبت ادراج الرياح بعد ايام قليلة من الزواج.
وجدته انسانا اخر.فظا،غليظ القلب، يتصرف بانانية.دائم الصراخ والزعيق. وكنت الوذ بحزني فامسك بفرشاتي واخط على القماش ما تفيض به مشاعري، فتأتي لوحاتي قاتمة، شديدة الغموض،بفضاءات فارغة!
احسست ان ثمة فرقا بين الاحلام والحقيقة، وان تبادل الاعجاب ايام الدراسة ينبغي ان لا يشكل حكما صحيحا.مني، وانني اليوم ازاء شخص لا اعرفه، حتى لغته وهو طالب، تختلف عما هي عليه اليوم. فأدركت ان ثمة فرقا كبيرا بين الحب المتوهم والحقيقة… والتزمت لغة الصمت معلنة خلالها عن شجبي لانفعالاته نحوي.واتخذت من الموسيقى سلوتي التي تنسيني جدب ايامي ومرارة ليالي.وايقنت ان احلامي كانت مجرد سراب.
كم مرة احسست به وهو يتسلل من مخدعه ليجري مكالمات هاتفية مع صديقاته! لم اوجه له لوما او عتبا ، لكن نظراتي اليه كانت تكفي ليقرأ مايعتمل في صدري نحوه.ثم اني كنت أربأ بنفسي عن اجراء اي مقارنة مع سواي، ولا ارتضي ان اتدنى في خوض غمار عتابات على امور تافهة كهذه.لإيماني ان مسيرة النهر قد تعترضها منعطفات ومنحدرات قبل ان تستقر ليمضي الماء في جريانه بايقاعات راسخة.
حتى حان اليوم الذي علا فيه صراخه معي، وعندما حاججته على امر ما، استشاط غضبا، وتجرأ و رفع يده وصفعني على وجهي بقوة!
تسمرت في مكاني وفغرت فمي ، فعندما ترتضي المرأة لنفسها ان تهان بهذا الشكل البشع، يكون امامها خياران: اما ان تثأر لكرامتها وتعلن ثورتها عبر اطلاق لسانها كلمات نابية تبرد من لظى غضبها، وإما ان تلتزم الصمت وتتسلح بالهدوء ريثما تتمكن من اتخاذ القرار الصائب الذي تستعيد به كرامتها المجروحة.
وهكذا لجأت الى الخيار الثاني، وحزمت حقائبي وخرجت قاصدة بيت اهلي.كنت احلل فيها تصرفات كلينا، والتمس العذر له حينا، واثور ضده احيانا. واعاود التفكير في كلمة مطلقة التي ستلتصق بي طوال عمري، واضعها في كفة ميزان، ثم اعادلها بكلمتي راحة وعزة نفس، فتنتصر الاخيرة امام غريمتها.
كنت خلال ذلك احمد الله عز وجل انني لم ارزق بطفل، والا كيف ارتضي له ان يعيش في كنف ابوين متخاصمين ومتضادين على مدى الايام؟
وأخيرا اتخذت قراري الذي لا رجعة فيه.
اخترت ان اتسلح برباطة الجأش واكون مطلقة على ان ارتضي العيش في كنف وحش لا يمتلك ادنى مقومات الانسانية.
عاودت الباحثة الاجتماعية سؤالها لي:
– ست ندى،اما زلت مصرة على الطلاق من زوجك؟
اجبتها بثقة عالية:
– نعم، ولن اتراجع عن قراري ..