المرأة والمجتمع المدني

رحيل عالمة الفلك مي عارف قفطان ..

اول عالمة فلك عراقية  مي عارف قفطان  ومديرة مشروع المرصد الفلكي العراقي تغادرنا إلى الرفيق الأعلى..

في 1945 بعد شهور من انتهاء الحرب العالمية الثانية، كانت الفتاة البغدادية (مي) على متن باخرة متجهة إلى بريطانيا، بعد أن حصلت على منحة دراسية من المملكة العراقية لتكون أول فتاة عراقية تصل إلى بريطانيا لدراسة الفيزياء في جامعة مانشستر، وقد حصلت على البكالوريوس سنة 1949.

في الخمسينيات انتقلت مي لمواصلة دراستها في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي 1958 حصلت على شهادة الدكتوراة في علم الفلك الراديوي من جامعة هارفارد الأمريكية، وكانت من اوائل من انتج بحوثا هامة حول السحب الهيدروجينة في أكبر مرصد فلكي راديوي في الولايات المتحدة.

الاهم من كل هذا ان مي عارف قفطان كانت تعشق العراق، ورغم مكانتها التدريسية المرموقة في جامعة نيويورك فهي كانت تحرص على زيارة بغداد باستمرار، في 1964 طلبت منها جامعة بغداد المؤسسة حديثا وضع مواد في الفلك في الدراسة الجامعية، ومساعدة مكتبة الجامعة بالمئات من الكتب والدوريات الفلكية.

في 1974 التقى بها الرئيس الراحل أحمد حسن البكر وطلب منها شخصيا ان تترأس مشروع المرصد الفلكي العراقي، والذي كان وقتها الأول في الشرق الأوسط، والعاشر في الحجم على مستوى العالم.. التقيت بها لأول مرة في 76 وانا طالب في كلية العلوم، وطلبت مني ان اكون مشاركا حتى قبل تخرجي بمراحل تأسيس المرصد الفلكي العراقي.

وبالفعل، في 1977 وبتوجيه من د. مي صعدت إلى جبل سنجار مع فريق خبراء متخصص في اختبار المواقع المرشحة للمرصد، وفي السنة التالية صعدت إلى جبل كورك (الذي تم اعتماده لاحقا) لاستكمال فحوصات المواقع. وبعد تخرجي عملت في وحدة المرصد الفلكي التابعة لمؤسسة البحث العلمي بقيادة مي عارف قفطان.

اتبعت د. مي في تعاملها معنا نظاما علميا صارما لم يكن له مثيل في العراق، وكانت شديدة الحرص على أدق التفاصيل.. وقد منحتها الحكومة العراقية وقتها صلاحيات مطلقة في أسلوب العمل والاستعانة بالخبراء الأجانب، فازاحت عن طريقها كل شخص نفعي ومتملق لم يكن ينفع المشروع.

كنت أرى د. مي تواصل الليل مع النهار، تأتي إلى مكتبها قبلنا جميعا وتغادر بعدنا بساعات.. تعمل حتى أيام الجمع والأعياد.. وبعد أن انجزت جميع التفاصيل العلمية والتقنية الهائلة على أتم وجه وباتم نزاهة وتفاني، ومع المباشرة في تنفيذ المشروع في 1980 ، بدأ البعض يتآمرون بشتى الوسائل على تقييد صلاحياتها حسدا وغيرة..

ولأن المرأة الحديدية مي عارف قفطان لا تعرف المساومة، ولا تؤمن بانصاف الحلول المؤدية للفشل، فقد قررت أن تترك الرجال الأبطال يحتفلون بنصرهم العظيم .. وغادرت في ليلة مظلمة غاب فيها القمر عائدة إلى موطنها الأمريكي، إلى غير رجعة هذه المرة.

في 1986 أثناء احتدام الحرب العراقية الإيرانية استهدفت صواريخ موجهة اطلقتها طائرات مقاتلة قبب المرصد الفلكي فوق جبل كورك، وكذلك غرفة التحكم بالمرصد الراديوي، فكانت نهاية هذا المشروع العلمي الطموح.

وفي 23 تموز 2020 غادرتنا اول عالمة فلك في العراق والعالم العربي (مي عارف قفطان) إلى الرفيق الأعلى عن عمر يناهز 92 عاما في ولاية فرجينيا الأمريكية. تقبلها الله في واسع رحمته وأسكنها فسيح جناته وجزاها عنا وعن جميع من نفعتهم بعلمها خير الجزاء.

* منقول من صفحة الأستاذ مازن الخشاب

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى