جمانة حداد .. ” امتنعوا عن الانجاب”
تعدّ ولا تحصى، التشريعات والاتفاقات والقوانين التي تحمي حقوق الأطفال الجسدية والمعنوية، ولكنها لا تزال بمعظمها حبراً على ورق في دساتير غالبية الدول العربية. لا قيمة للطفولة عندنا ولا معنى. أطفال العرب يتامى بلدانهم. أحلامهم تُسرق، براءتهم تُسفح، وغالباً ما يكبرون على وقع الخوف أو القمع أو الظلم أو الحروب.
قد يكونون أيتاماً أو مشردين أو مستغلين بألف طريقة وطريقة، حتى في كنف عائلاتهم المزعومة، لكن قصصهم متشابهة. فيها الكثير من الوجع المُغلّف بالقلق الدائم حول الغد. هذا الغد المجهول، الذي كُتب عليهم مواجهته دون سندٍ أو معين.
كُتب عليهم الحرمان من أبسط مقومات الطفولة وتحوّلوا ضحايا يدفعون من جلدهم الطري، الذي يُسلخ عنهم رويداً رويداً مع كل تجربة بشعة وقاسية تهاجم براءتهم، يدفعون الثمن الباهظ لتقصير حكومات بلدانهم.
منهم، من يحملهم قارب القدر الى بر الخلاص، ومنهم آخرون، ترمي بهم الرحلة في غياهب التعذيب، ويواصل العالم هدم طفولتهم، وكسر شخصيتهم المعنوية، وتهيشم أجسادهم ونفوسهم بانتهاكات لا تُحصى.
هؤلاء الذين يحضنون الفرح والحب في مخيلاتهم، ألا يستحقون التفاتة السلطات الرسمية؟ ألا يستحقون مد اليد نحوهم وانتشالهم من بؤر الظلم؟ ألا يستحقون، بدلاً من أن نطلب منهم أن يتوقفوا عن البكاء، أن نمسح دموعهم وأسبابها؟
متى يدرك المسؤولون، ومعهم الأهل، أن حماية الأطفال ليست ترفاً، ولا خياراً، ولا هي قضية عاشرة على لائحة أولويات؟
بل إن حماية هؤلاء، وتأمين حياة آمنة وكريمة لهم، فيها الحدّ الأدنى من الحقوق، ضرورة وواجب ومسؤولية جوهرية. يستحقّ أطفالنا أن يكونوا أطفالاً، لا ضحايا.
من لا يستطيع أن يضمن هذا الحقّ البديهي لأولاده، فليقدّم للبشرية جمعاء خدمة، ويمتنع عن الإنجاب.
* صحفية وكاتبة وشاعرة وناشطة نسوية لبنانية