تعنيف النساء في الريف العراقي تجاوز حدود الضرب
عراقيات/ زينب المشاط
تعمل مها في احد المراكز الصحية في ريف محافظة (…)، إنها تواكب عشرات الحالات يومياً لنساءٍ مجهولات المصير، أو كما تصفهن هي بـ "المساكين"
تقول مها "هنالك العديد من النساء المعنفات في هذه المناطق، إلا انهن يرفضن الاعتراف بذلك خشيةً من الواقع الاجتماعي الذي يعشنه."
الضربُ بات جزءً من حياة المرأة الريفية، هذا ما تؤكده مها لنا وتقول" اضافة إلى تلبية مستلزمات الزوج، وانجاب الاطفال، يعدّ الضرب واحدة من المهام التي تُطبق على المرأة، خاصة أولئك القاصرات اللاتي يتزوجن برجالٍ تتراوح اعمارهم بين الخمسين والستين."
ووفق احصائيات قدمتها الامم المتحدة لعام 2018، هنالك 28 بالمئة من النساء تزوجن بعمر اقل من ال18، في المناطق الريفية وهذه النسبة تقل في المناطق الحضرية، وهنالك اكثر من 60 بالمئة من النساء اللاتي حرمن من التعليم في المناطق الريفية، بينما تقل النسبة الى 15 بالمئة في المناطق الحضرية، لتذكر مها أن "المرأة في الريف محرومة حتى من استخدام الهاتف النقال، حيث يُعتبر من العار ان يشتري الاهل هاتفاً نقالاً لابنتهم." مشيرة الى ان "القراءة والكتابة للمرأة الريفية امر نادر جداً ايضاً."
حدود التعنيف للمرأة في الريف، تجاوز حدّ الضرب، وتزويج القاصرات، والحرمان من التعليم، فهنالك اشكال مختلفة للتعنيف الذي قد يكون غير متعمد كونه اصبح اسلوب حياة، تذكر مها "ان المرأة الريفية لم تكن ربة بيت فحسب، انها تقوم بمهام الرجل، فهي تعمل أعمال يجب ان يقوم بها الرجال، كالزراعة والحرث والحصاد، بينما تذهب كل الاموال التي تجنيها عن عملها للرجل، إنها تجهل معنى ان تمتلك شيء او تحتفظ بالاموال لنفسها، حتى انها لا تعي ان لها حق في امتلاك منزل او قطعة ارض، وكأنها مستعبدة"
حتى في اوقات مرضها، تُمنع الريفية من مراجعة الطبيب او الطبيبة، تتحدث مها هنا عن حالات معينة وتقول " في احدى المرات زارتنا فتاة تدعى فاطمة يبدو انها تبلغ من العمر قرابة الـ 18 عام، الى المركز الصحي الذي اعمل فيه، لمراجعة طبيب الاسنان، كانت فاطمة تتوسل الينا ادخالها باسرع وقت الى الطبيب، وحين سألتها عن الاسباب قالت: ان زوجي يمنعني من زيارة الطبيب، اسناني تؤلمني بشدة منذ اكثر من اسبوعين، وحين اخبره ان عليّ زيارة الطبيب يرفض.
زوج فاطمة الذي يكبرها ثالثون عاماً او اكثر يرفض ان تذهب زوجته الى طبيب الاسنان وإن كانت تتألم، وبعد شجارٍ مرير بينهما كما اخبرتني فاطمة، وافق زوجها على ذهابها للطبيب شرط أن لا يتجاوز وقتها المسموح به نصف ساعة، لذلك كانت فاطمة تبكي وترتجي منا ادخالها الى الطبيب باسرع وقت ممكن."
جنينٌ يتوفى في رحم امه، منذ اكثر من شهرين دون علمها، حالة اخرى تتحدث عنها مها قائلة " بسبب منع المرأة من مراجعة الاطباء، مرّت علينا حالة غريبة جداً ومخيفة ايضاً، انها امل، كان لون وجهها يشبه وجه الاموات بلا قطرة دمٍ واحدة، انها تعاني من نزيف وآلام لا نهاية لها، امل تشكو الم منذ اكثر من شهرين، زوجها يرفض اخذها للمستشفى رغم معرفته بأنها حامل، يقول ان امه انجبته هو واخوته الثمان في البستان اثناء عملها، انجتهم وعادت فورا الى عملها."
بعد اجراء العديد من الفحوصات الطبية ل امل، اتضح ان جنينها توفي باحشائها منذ شهرين تقريبا، وان هذه الحالة هي التي تسببت بإيلامها ونزيفها، مها تؤكد "أن الطبيبة اخبرت امل بأنها على مشارف الموت، وانها بحاجة لعملية فورية للتخلص من الجنين."
وردة هي الاخرى لم تتخلص من التعنيف، رغم انها لم تتجاوز من العمر الثامنة تقول مها " جاءت وردة وكانت تعاني من حالة التبول اللا ارادي، وبعد اجراء فحوصات للطفلة حيث كان يتوقع انها تعاني من مرض ما، تبين انها تعاني من حالة نفسية، فتم نقلها فوراً الى المعالج النفسي الذي اكد انها تتعرض لتعنيف يومي شديد من احد افراد الاسرة، والد وردة اكد وكأن شيئا لم يكن انه حين يعود مرهقاً للمنزل، ويجده صاخباً بسبب لعب الاطفال، يبدأ بضربهم وامهم حتى تهدأ اعصابه."
حالات كثيرة، تمرّ على هذا المركز الصحي، الذي تعمل به مها، والذي يقع في ريف (..)، رافضة الكشف عن اسمها بالكامل، او اسم المركز وحتى اسماء هذه الحالات التي تحدثت عنها، بسبب التبعات التي ستتحملها هي في حال الكشف عن هذه المعلومات.