بعد الصحافة ودهاليز المخابرات.. ارث ثقيل ومهمات صعبة امام الكاظمي
منح مجلس النواب ليلة الخميس، الثقة لحكومة رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي، لتنتهي بذلك حالة من الفراغ والجمود غطته حكومة تصريف الاعمال "المستقيلة" دامت خمسة أشهر، بعد تكليفين اديا الى "الاعتذار".
وكلف رئيس الجمهورية برهم صالح، في 9 نيسان 2020، رئيس جهاز المخابرات العراقي مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة، وهو ثالث شخصية (بعد محمد علاوي وعدنان الزرفي)، يتم تكليفها بالأمر في الاشهر الثلاث الأخيرة لتشكيل حكومة تحل محل حكومة عبد المهدي، التي استقالت في العام الماضي بعد أشهر من الاحتجاجات.
وفي أول خطابٍ متلفزٍ له، بعد تسميته رئيساً للحكومة، قال الكاظمي إن الأسلحة يجب أن تكون في يد الدولة، مشيراً إلى أن الأهداف الأساسية لحكومته تتمثل في محاربة الفساد وإعادة النازحين إلى ديارهم، في حين وصفه رئيس الجمهورية برهم صالح بأنه "صحفي ذكي" وقادر على ادارة الازمة.
من الصحافة إلى المخابرات
رئيس الحكومة الجديدة مصطفى عبد اللطيف مشتت الغريباوي من مواليد بغداد، ويُلقب بالكاظمي بسبب سكنه في منطقة الكاظمية ببغداد وهو من مواليد 1967، حاصل على البكالوريوس في القانون، وغادر العراق في حقبة نظام البعث عن طريق كردستان العراق إلى إيران ثم ألمانيا ثم بريطانيا، واختار لقب الكاظمي خلال عمله كصحفيّ.
وعمل رئيسا لمجلس ادارة مجلة "الأسبوعية في مجال حل النزاعات وتوثيق جرائم النظام السابق، كما عمل مديراً تنفيذياً لمؤسسة الذاكرة العراقية وساهم في توثيق الشهادات وجمع الأفلام عن ضحايا نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وأدار مؤسسة الحوار الإنساني لتأسيس الحوار بديلاً عن العنف في حل الأزمات. وعمل أيضاً كاتب عمود ومديرا لتحرير قسم العراق في موقع المونيتور الدولي. وعاش سنوات في المنفى لكنه لم ينضم لأي حزب سياسي عراقي.
وبعد الغزو الأمريكي للعراق، عام 2003، عاد الكاظمي إلى العراق، وشارك في تأسيس شبكة الإعلام العراقي، تزامناً مع عمله كمدير تنفيذي لـ"مؤسسة الذاكرة العراقية"، وهي منظمة تأسست لغرض توثيق جرائم النظام السابق.
تسلم الكاظمي رئاسة جهاز المخابرات الوطني العراقي، في حزيران 2016، في ظل احتداد المعارك ضد تنظيم "داعش" في عهد رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي، وبحسب تقارير فقد نسج، خلال توليه هذا المنصب، الذي أبعده عن الأضواء، روابط عدة مع عشرات الدول والأجهزة التي تعمل ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
"براغماتي متمرس".. وعلى علاقة بجميع اللاعبين
بعد ساعاتٍ من تسمية الكاظمي، قال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، للصحافيين إن الكاظمي "أثبت في وظائفه السابقة أنّه وطني وشخص كفؤ"، معرباً عن أمله في أن يتمكن سريعاً من تشكيل حكومة "قوية ومستقلّة".
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر سياسي رفيع القول إن تسمية الكاظمي "تأتي مكسباً للعراق، خصوصاً في هذه المرحلة الاقتصادية الصعبة، ولضمان تجديد استثناء بغداد من العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران".
وقال سياسي مقرب من الكاظمي لوكالة "فرانس برس" إن للكاظمي شخصيةً لا تعادي أحداً، وهو صاحب عقلية براغماتية، ولديه علاقات مع كل اللاعبين الأساسيين على الساحة العراقية: علاقة جيدة مع الأمريكيين، وأخرى عادت إلى مجاريها، مؤخراً، مع الإيرانيين.
وتقول BBC في تقرير لها، إن الكاظمي شوهد خلال زيارة نادرة إلى الرياض برفقة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي عام 2017، وهو يعانق مطولاً "صديقه الشخصي" ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وهو ما يُستدل به على قدرة الكاظمي على التفاوض والوساطة.
كما لا يعتبر الكاظمي شخصية جديدة على طاولة السياسة العراقية؛ فقد كان اسمه مطروحاً منذ استقالة حكومة عادل عبد المهدي، في كانون الأول الماضي، وحتى قبل ذلك كبديل للعبادي، عام 2018، لكن عوامل عدة حالت حينها دون نيله التوافق، لاسيما وأن بعض الأطراف الشيعية تصفه بأنه "رجل الولايات المتحدة" في العراق.
مهمات لم تتمكن حكومة عبد المهدي من اتمامها بنجاح
ويتعين على الحكومة الجديدة التعامل مع بلاد دمرتها النزاعات والحرب ضد تنظيم داعش، التي وقفت كعائق في سبيل التقدم منذ سنوات. إعادة إعمار ما دمرته تلك النزاعات التي باتت حاجة ملحة اليوم، وتلك هي المهمة التي لم تتمكن حكومة عبد المهدي السابقة من إتمامها بنجاح.
ويمثل الضغط الذي شكلته الاحتجاجات تحديا آخر بوجه الحكومة الجديدة، فما كان يرضي الشعب سابقا قد لا يرضيه اليوم، خصوصا وأن الاحتجاجات كانت السبب بالإطاحة بعبد المهدي بعد عام ونصف من قيادته الحكومة، قبل انتهاء ولايته؛ الأمر الذي لم تشهده البلاد منذ 2003.
ثلاث ركائز تدعم الكاظمي في العراق
رغم التحديات المتراكمة لإتمام مهمة الكاظمي، إلا أنه يتمتع بثلاث ركائز قد تدعم قوته في العراق، وبحسب تقارير، قد يعول على هذه الركائز لقيادة البلاد بنجاح، أولها علاقته المتينة مع الولايات المتحدة، والتي عززها في التعاون خلال مرحلة قتال تنظيم "داعش" وصولا إلى القضاء على زعيمه أبو بكر البغدادي.
أما الثانية فهي بث الروح وتجديد خط التواصل مع إيران، وكانت وكالة "مهر" الإيرانية قد كتبت في أبريل أن "الكاظمي يمكن أن يلعب دورا في تقليل التوتر بين طهران وواشنطن في العراق".
والركيزة الثالثة هي علاقة أكثر من جيدة مع الجارة السعودية، خصوصاً وأن هناك علاقة صداقة تربط الكاظمي بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بحسب مصادر سياسية.
لكن ذلك لا يعني أن التحديات التي واجهت أسلافه لن تتواصل. فلا يزال الكاظمي أمام عقبة المطالبة بالانسحاب الأميركي من البلاد، ومواجهة أزمة جائحة كورونا، إضافة إلى انخفاض أسعار النفط بخمسة أضعاف خلال عام.
أمامه إرث ثقيل..
يتعين على الكاظمي إعادة التفاوض بشأن الإعفاءات الأميركية التي تسمح للعراق بشراء الطاقة الإيرانية مع تجنب عقوبات واشنطن، وهذا بالفعل ما بدأت تظهر بوادره بموافقة واشنطن على تمديد استثناء بهذا الخصوص عقب منح الثقة لحكومته، وفق ماجاء في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية مايك بومبيو.
كما سيرث الكاظمي أيضاً ميزانية للعام 2020 لم يتم التصويت عليها أبدا. ومع الانهيار الكبير للنفط، مصدر الدخل الأساسي في البلاد، اذا يتوقع مراقبون ان تكون الحكومة الجديدة، "حكومة تقشف".
ومع ازدياد التوقعات المالية سوءا يوما بعد يوم، ينظر العراق في إمكانية الاقتطاع من الرواتب العامة الضخمة، في خطوة ستلقى رفضا شعبيا وقد تجدد موجة الاحتجاجات التي طالبت بتغيير شامل للنظام والسياسيين.
ويتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي للعراق بنسبة 9.7 في المئة هذا العام، وقد تتضاعف أيضا معدلات الفقر، بحسب توقعات البنك الدولي، ما يجعل ذلك أسوأ أداء سنوي للبلاد منذ إطاحة الولايات المتحدة بنظام صدام حسين، وفقا لما ذكرته وكالة فرانس برس.
ويقول الباحث في "تشاتام هاوس" ريناد منصور للوكالة إن "الكاظمي سيحاول الحفاظ على استقلال معين عن الأحزاب السياسية، لكن يمكن أن يتم تخريبه من قبل أعضاء في إدارة عبد المهدي الذين بقوا في منصبهم".
وفي الوقت الحاضر، كبقية العالم، يسعى العراق إلى مواجهة جائحة كوفيد-19 التي أودت بحياة مئة وشخصين حتى الآن، تزامنا مع سعيه إلى التخلص من خلايا تنظيم داعش التي لا نزال تضرب في مناطق مختلفة على أراضيه.
وأنهى مجلس النواب ليلة الخميس، حالة من الجمود دامت عدة أشهر، عبر منحه الثقة لحكومة الكاظمي اذ شارك في التصويت 255 عضوا من أعضاء المجلس المكون من 329 عضوا.
وكان من المزمع أن يبدأ التصويت في التاسعة مساء بالتوقيت المحلي، ولكنه بدأ بعد منتصف الليل، وذلك بعد إدخال تعديلات في اللحظات الأخيرة لإرضاء أحزاب سياسية، بحسب وكالة فرانس برس للأنباء.
ورفض المجلس مرشحي الكاظمي لوزارات التجارة والعدل والزراعة والهجرة، ولم يصوت على وزارتي النفط والخارجية الحساستين، وأرجأ التصويت بشأنهما لجلسة لاحقة.