بسبب مفاعل تموز المدمر .. شبابٌ مهددون بالموت وأطفالٌ ولدوا مشوهين
عراقيات/ زينب المشاط
رفضت رُسل الحديث إلينا في بداية الأمر، حين أخبرناها أننا جهة تحاول أن توصل صوتها إلى الجهات المسؤولة كفتاة مُصابة بمرضٍ ما، لانها لا تحصل على العلاج اللازم بسبب الفُقر، لم يكن رفضها طفولياً، إنه يحمل الكثير من الكبرياء، وكأنها تقول لنا "انا لست بحاجتكم" ….
الفتاة البالغة من العمر عشر سنوات لا تعرف أنها مُصابة بمرض السرطان، إنها "تُعاني فقط" والدها أكد لنا ذلك بقوله "أرجو أن لا تخبروا رُسل أنكم تودون الحديث لها بسبب مرض السرطان، فهي لا تعرف أنه مرضها، أنها تخضع للعلاج منه منذ ثلاث سنوات، حالياً حالتها مستقرة بعض الشيء، إلا انها بحاجة إلى مراجعة الطبيب واخذ بعض الادوية كل ثلاثة اشهر."
طلب والد رسل من طبيبها أن تكون فترات المراجعة متباعدة جداً، أكثر من ثلاثة اشهر، يقول" طلبت أن من الطبيب ان تراجعه رسل كل ستة اشهر، لأحاول توفير المال الكافي لمراجعة الطبيب والحصول على العلاج، فالحال صعبة جداً كما ترون."
الفتاة التي كادت تتهجم علينا في بادئ الأمر، ها هي تهمس لنا من خلف الباب تطلب أن تتحدث لنا عن حالتها، لكنها تشترط أن لانستخدم أجهزة التصوير، وتقول "المجتمع يُعامل الفتيات بسوء حين يعلم أنهن مريضات، وهذا يتسبب بإيلام مشاعري، اشعر أني مرفوضة من الجميع لذلك لا اريد ان تصوروني فيعرف الاخرون اني مريضة بينما احرص على التظاهر بأني بخير دائماً."
لم يقف المرض كحاجز صعب الاجتياز بين رسل وطموحها، انها تحلم بأن تكون "إعلامية" وهذا الحلم واحد من الاسباب الذي جعلها أخيراً توافق الحديث الينا، على العكس تماماً من حيدر، الذي قيّده المرض تماماً، أخاه الكبير يذكر لنا أن " حيدر كان عامل بناء، وكان في سنته الأولى في الجامعة، كان يطمح لأن يتخرج، ويتوظف ويتزوج كأي شاب عراقي، إلا أن مرض السرطان قضى عليه، وجعله حبيس البيت."
المُفارقة التي يشترك بها أبناء هذا الحي، ليس أنهم جميعاً يسكنون عند جسر ديالى، أو انهم على مقربةٍ من مُفاعل تموز، الذي يبث إشعاعاته القاتلة فيقتات على اجسادهم، ولا لأنهم يحملون ذات المرض، بل لأنهم يتصفون بهذا الكبرياء الذي يمنعهم من أن يكونوا مادةً إعلامية مصورة، إنهم يحاولون نقل معاناتهم دون الظهور كحالة تُعاني.
يقول حيدر وكلماته تخرج من خلف "كمامة طبية" ،"لا استطيع الخروج وممارسة حياتي كالسابق، فالسرطان تغذى على مناعتي بالكامل، وما أن اتعرض للسعة برد سأكون طريح الفراش، حصلت على اثنتي عشر جرعةٍ طبية، ويقول الطبيب أني أمتثلُ للعلاج، لكني أجد أن الامر بطيئ، وقد يكون هذا العلاج مؤقت."
الحاج احمد، الذي تجاوز الخمسين مع عمره، مُصابٌ هو الآخر بسرطان الحنجرة، ما دفعه للسفر إلى بيروت لغرض العلاج، إلا أن المرض عاوده بعد مدة من امتثاله للشفاء، همُّ هذا الرجل مختلفٌ تماماً عن أولئك الشباب"رسل وحيدر" فهو لا يخشى المرض، يقول"أني كبرت بالسن، ولم اعد اخشى الموت، أنا قلقٌ بشأن حفيدي عباس، الذي ولد مشوّهاً بسبب الاشعاعات التي تغزوا هذه المنطقة."
احمد يُفاجئُنا بقوله " نحنُ السبب بإنتشار هذا المرض، في ثمانينيات القرن الماضي وحين قُصف مفاعل تموز خلال الحرب العراقية الايرانية، عملت الحكومة آنذاك على حجب المبنى عنّا، إلا أن العديد من اهالي هذه المنطقة وساكنوها قاموا بسرقة مواد وعدد من داخل بناية مفاعل تموز عام 2003 حين فتحت القوات الامريكية ابواب البناية لهم، وصاروا يستخدمون هذه العدد والادوات عن جهلٍ منهم، ما جعل المرض ينتشر بشكل غريب."
الدكتورة سحر احمد اللامي اخصائية اورام سرطانية وامراض دم، مُتابعة لأهالي المنطقة، أنهم يزورونها بين الحين والآخر، وهي تحاول أن ترفع اصواتهم للجهات المختصة، تذكر قائلة "أن اكثر من مئتي حالة مُصابة بالسرطان توفيت بهذه المنطقة منذ 2003 وحتى الآن، لقد تابعت حالات هؤلاء الناس منذ اكثر من عشر سنوات، وانا على تواصل مباشر مع مستشفى مدينة الطب للامراض السرطانية والاورام، والحالات تتزايد يوماً بعد الاخر، الشباب يصابون، والنساء أيضاً اغلبهن مصابات بسرطان الثدي، الافضع من هذا ان المرض بات ينتقل لحديثي الولادة حيث يولدوا مشوهين، دون أن يجد أبناء هذه المنطقة حلاً حقيقياً لهذه المأساة."