اللعب بالذيل ..
كتب حسن العاني
لكل شعب من شعوب العالم أعراف ملزمة يحترمها ويتقيد بها ويخضع لشروطها لانها تمثل إرادة الجميع وتوافقهم ، ففي بلادنا مثلاً حين يبلغ العراقي أولى مراحل الشباب تتفتح عاطفته على حب رومانسي ، يعِّكرُ نهاره ويؤرق ليله ويسدُّ شهيته على الدراسة والشهادة والطعام والشراب ، ولايفكر إلا بالسرير العريض والعش الزوجي ، وان كان كوخاً في غابة ، أو خرابة مهجورة ، وحتى لو عاش مع حبيبة العمر على خبز الشعير وتمر الزهدي ، وهو في ذلك كله عفيف شريف مخلص طاهر الثوب ، لا يلعب بذيله ولا يحركه يميناً او شمالاً ، فإذا تم له ما اراد وحصل على مراد القلب وأصبحت العصمة بيده كما تقضي الرجولة العراقية ، تخلى عن فكرة الكوخ والخرابة والعفاف والثوب الطاهر ، واطلق العنان لذيله يسرح ويمرح في طول البلاد وعرضها ، ، لاتشفي غليله دزينة من النساء ، ولا يردعه كبير ولا زوج ولا اولاد ولا قانون ، مباهياً إنه أعظم (زير) في التاريخين الميلادي والهجري.
حين يبلغ الاوروبي مرحلة الشباب الاولى وأعوام المراهقة ، يطلق العنان لذيله يصول ويجول ويتنقل من بيضاء الى سمراء ، وبين أحضان شقراء وزنجية وحنطاوية مباهياً المباهاة كلها انه ترك (بصمة) على سلالات النساء وفصائلهن وألوانهن ، وارتوى منهن إلى حد الاشباع والتخمة ، حتى إذا بلغ منتهاه، وانتهى من مغامراته واستقر في أحضان العش الدافئ ، قامت زوجه منذ الليلة الأولى باجتثاث ذيله من الجذر ، وتحويله الى كائن تابع ومطيع ومخلص لها ولأبنائهما … كل شيء بيدها تتحكم فيه كما تريد ، اما هو فإنسان آلي لا يحل ولا يربط وينفذ الأوامر من دون رفض او اعتراض و.. ومع ذلك فهو راضٍ ، لا ينزعج ولا يهتز له شارب ، لكونه نال نصيبه وأدى رسالة الطبيعة التي في عنقهِ قبل الزواج على أفضل وجه ، وآن له أن يرتاح وينام قرير العين .
منذ بضع سنوات بلغ ابني مبلغ المراهقة والشباب المبكر ، وانحصر نشاطه الذهني على الزواج ، ولم تكن امامي حيلة غير الاستجابة لنداء الطبيعة في دمه وعروقه ، ثم الدعاء الى الله ان يجنبه بعد الزواج شر اللعب بذيله ، وهكذا خطبنا له ابنة الحلال التي كاد ينتحر من اجلها … وتمت الموافقة وكنا وكانوا ، اعني نحن الاسرتين في قمة السعادة .. وانتهينا من شراء خاتم الخطوبة والنيشان وجهاز العروس وأثاث البيت ، ولم تبقَ أمامنا سوى قضية السكن ، لان العروس وأهلها يصرون على سكن مستقل وهم محقون لان داري صغيرة جداً ولا تكفي لسكنهم معي ، وها نحن منذ بضع سنوات نبحث عن شقة او مشتمل بشرط أن لا يزيد الإيجار على (200) ألف دينار ، لان ولدي موظف وراتبه (500) الف دينار لا تكفي للإيجار ومصروف البيت وأجور المولدة والماء الكهرباء والموبايل والملابس والطبيب ..الخ وحيث لم نعثر على سكن رخيص فقد انتهى مشروع الخطبة والزواج ، وانا أحاول إقناع ولدي أن الحكومة في طريقها لحل مشكلة السكن . غير انه يرفض الاستماع ويقول : أنا اسمع مثل هذا الكلام منذ عشر سنوات.. المشكلة ان إبني قرر التخلي عن فكرة الزواج ، وبدأ يلعب بذيله على الطريقة الأوروبية .. وأنا بدوري احمل الحكومة الحالية والتي قبلها وقبلها وقبلها كامل المسؤولية عن تصرفاته الطائشة ، خاصة لو ظهر أن الحكومات جميعها تضحك عليّ وعلى ولدي".