العراق ..التقرير الدوري الثاني عن الإنتهاكات خلال التظاهرات الشعبية المستمرة
تستمر الاحتجاجات الشعبية في مدن العراق الوسطى والجنوبية بمشاركة واسعة من مختلف قطاعات الشعب وبضمنهم الطلبة والنساء، بالرغم من مخاطرالاستهداف المستمر للناشطين والصحفيين والمتظاهرين السلميين الذي تقوم به القوات الأمنية والمجموعات المسلحة. كما وتعرضت ساحات الاعتصامات في عدة مدن عراقية، بعد أن أعلنت رفضها لرئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي، إلى هجمات عنيفة قامت بها مليشيات مسلحة على مرأى من القوات الأمنية، التي فشلت عن القيام بدورها الدستوري في حماية المتظاهرين. أن هذا هو التقرير الدوري الثاني عن الإنتهاكات خلال المظاهرات الشعبية المستمرة الصادر عن مركز الخليج لحقوق الإنسان.
النساء العراقيات في القلب من الحراك الشعبي
بتاريخ 13 فبراير/شباط 2020، شاركت الآلاف من النساء العراقيات في مظاهرت حاشدة وذلك في العاصمة بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية حيث جددن تأييدهن للاحتجاجات الحالية المناهضة للفساد والتي تطالب بتنفيذ إصلاحات شاملة وكذلك فقد قمن بالتنديد بالهجمات وحملات التشويه التي استهدفت زميلاتهن من الناشطات والمتظاهرات، ورفعن عدة شعارات تؤكد دور المرأة الرئيسي في الحراك الشعبي ومنها الوسم (#بناتك_ياوطن).
وفي الايام القليلة الماضية شاركت النساء والفتيات بقوة في التظاهرات وقمن برفع صور ضحايا التظاهرات وكذلك لافتات تبين عزمهن على الاستمرار في المشاركة في الاحتجاجات وتجاوز الصعوبات والعراقيل والإساءات.
الهجمات على ساحات الاعتصام في النجف وكربلاء
تاريخ 06 فبراير/شباط 2020، قامت مليشيات مسلحة بالهجوم على ساحة النربية بمدينة كربلاء والمخصصة كمكانٍ مركزي للاعتصام السلمي حيث استخدموا الرصاص الحي والهراوات والسكاكين من أجل تفريق المتظاهرين وقاموا بتحطيم المنصة الرئيسية. لقد نتج عن الاقتحام إصابة أكثر من 10 متظاهرين بينهم فتاة بجروح مختلفة. وكما حصل في النجف فأن القوات الأمنية لم تتدخل لوقف هجوم المليشيات ولكنها فرضت طوقاً أمنياً حول ساحة التربية لحماية المتظاهرين بعد انسحاب المسلحين. أن من بين ضحايا الهجوم المتظاهر طه حسين الشمري حيث لايزال فاقداً الوعي راقداً في العناية المركزة.
وقبل ذلك، في 05 فبراير/شباط 2020، قامت مليشيات مسلحة بالهجوم على ساحة الاعتصامات في مدينة النجف (الصورة أعلاه) مستخدمةً الرصاص الحي والهراوات والسكاكين في هجومها على المتظاهرين السلميين وقامت بحرق خيمهم ايضاً. كانت القوات الأمني تنظر الموقف دون أن تتدخل لحماية المتظاهرين أو للعمل على إيقاف المسلحين. لقد استمر إطلاق النار لساعات عديدة، حيث سيطرت المليشيات على ساحة الاعتصامات والشوارع المحيطة بها بالكامل. وبالرغم من ذلك فقد عاد المتظاهرون بأعداد كبيرة إلى ساحة الاعتصامات في اليوم التالي.
لقد أكدت مصادر محلية موثوقة أن حصيلة القتلى في أحداث النجف قد بلغ 11 قتيلاً وعدد الجرحى 181 من بينهم 24 متظاهراً في حالة خطرة. ومن بين الذين فقدوا حياتهم نتيجة الهجوم المتظاهرين السلميين، مهند القيسي، كرار عدي الياسري، حسين فاضل الكلابي، خليل ابراهيم القزويني، حسن سلمان الزيادي، وحسن أحمد السعبري.
كان مهند القيسي يدرس اللغات في جامعة الكوفة ويطالب بالتغيير الجذري وقد كتب على حسابه في الإنستغرام قبل مقتله، "أنا ذاهب إلى الساحة، برئوا ذمتي." حيث كان يعرف خطورة الوضع في ساحة الاعتصامات.
يبلغ كرار عدي الياسري خمسة عشر سنة من العمر وقد ترك المدرسة وهو في الصف الأول المتوسط بعد وفاة والده لكي يعمل ويقوم بإعالة إخوته الصغار. كانت حالته المادية صعبة جداً وكان عاطلاً عن العمل في الفترة الأخيرة.
أما حسين فاضل الكلابي (الصورة 3)، 20 سنة من العمر، فقد كان طالباً في قسم المسرح بمعهد الفنون الجميلة. كان شاباً محبوباً يحلم بإنهاء الفساد في بلاده لكي يفخر في أنه ساهم في هذه المهمة. لقد نشر نداءً للاستغاثة على حسابه في الفيسبوك قبل ساعات من مقتله بعد أن تم اقتحام ساحة الاعتصامات،
كان القزويني بطلاً من أبطال الكراتيه في النجف وقد حصل على مراتب متقدمة في البطولات المحلية وخاصة في فعالية الكاتا.
وكان حسن سلمان الزيادي طالباً بقسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة الكوفة ولقد رثاه بعد موته أستاذه الدكتور أحمد العلياوي الاستاذ في الجامعة نفسها بقصيدة جاء فيها:
أقولُ للرصاصةِ الساخنةِ
هذا رأسُ طالبٍ أكاديمي
قد يُحسِنُ الإِعرابَ
ولكنهُ لايُحسنُ الاختباءَ من الرصاص!
أصيب حسن احمد السعبري بطلق ناري عيار 7.67 ملم برأسه اثناء الهجوم وكان في حالة صحية حرجة وفاقداً الوعي ومات بتاريخ 12 فبراير/شباط 2020. لقد كان طالباً في الصف السادس العملي وكان يحلم بأن يصبح طبيباً.
الهجمات على الصحفيين وحرية الإعلام
في صباح يوم 11 فبراير/شباط 2020، تم اغتيال الصحفي والمشرف العام على قناة الرشيد الفضائية نزار ذنون عندما كان يتنقل في سيارته مع سائقة وذلك في حي الجامعة غربي بغداد من قبل مسلح مجهول يستقل دراجة نارية كان يلاحق السيارة وحال خروجها من محطة لتعبئة الوقود ترجل من دراجته مكشوف الوجه وأطلق عدة رصاصات عليه ولم يصب السائق بأذى. لقد تأسست قناة الرشيد في سنة 2009 في بغداد ولديها مكاتب في بعض الدول العربية.
بتاريخ 06 فبراير/شباط 2020، تم اختطاف الناشط المدني والطالب في قسم الإعلام بكلية الفارابي في بغداد، احمد مثنى عبد الكريم (احمد تيتو) حيث عاد إلى منزله في اليوم التالي بعد أن أطلق سراحه خاطفوه الذين قاموا بتعذيبه و حلاقة شعره كما يظهر واضحاً في صورتيه أعلاه قبل وبعد الاختطاف. أنشأ تيتو صفحة مزاجيات على الانستغرام: @mzajeat
وهي صفحة أظهرت دعمها الراسخ للاحتجاجات الحالية ونشرت صور بعض الذين فقدوا حياتهم دفاعاً عن أهدافها.
بتاريخ 31 يناير/كانون الثاني 2020، قامت مجموعة من المسلحين الذين يرتدون الملابس المدنية ويستقلون سيارة بيك آب مظللة باختطاف الناشر والكاتب مازن لطيف حيث اقتادوه إلى جهة مجهولة. يمتلك لطيف دار "ميزوبوتاميا" للنشر ويهتم بتراث الديانات وله علاقات واسعة مع مؤرخين وكتاب دوليين مختلفين. أن آخر مشاريعه هو إصداره للمجلة التراثية والثقافية (نهرايا) وهي اشبه بموسوعة لعرض الجمال الحضاري العراقي. لقد نظم زملائه من المثقفين والكتاب والصحفيين وقفة تضانية معه وذلك بتاريخ 06 فبراير/شباط 2020.
أعلنت مقدمة البرامج التلفزيونية اشتياق عادل عن تعرضها مساء يوم 30 يناير/كانون الثاني 2020، لمحاولة اغتيال فاشلة أمام منزلها في بغداد حيث أطلق عليها النار مسلحون مجهولون كانوا ملثمين ويستقلون دراجة نارية. لقد ظهرت عادل في فيديو نشرته بصفحتها على الفيسبوك وهي تتلقى العالج حيث أصيبت برضوض ٍفي الساق، وحالة إغماء نتيجة الهلع الذي أعقب الحادث، وقالت ايضاً على صفحتها "باي ذنبٍ تهدر دمائنا؟" واضافت بقولها، " اطالب وزارة الداخلية بتوفير الحماية لي وإلى عائلتي ." وكانت قد تلقت عدة تهديدات بشكل رسائل نصية خلال الفترة الماضية واكتفت إزائها بتديل رقمها. قامت عادل بتقديم عدد من البرامج التلفزيونية وتعمل حالياً في قناة السومرية الفضائية حيث تقدم برنامج "شباب إكسترا".
هجمات الاستهداف ومحاولات الاغتيال ضد نشطاء المجتمع المدني والمتظاهرين السلميين
بتاريخ 12 يناير/كانون الثاني 2020، تعرض محامي حقوق الإنسان علي معارج الازيرجاوي إلى محاولة اغتيال فاشلة بمدينة الناصرية قرب محكمة ذي قار القديمة حيث أطلق عليه مسلحون مجهولون النار وأصابوه بعدة إطلاقات وُنقل على أثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم وحالته الآن مستقرة. لقد لعب الازيرجاوي دوراً بارزاً في الدفاع عن المتظاهرين في سوح المحاكم وكان يتواجد دائماً بخيمة نقابة المحامين في ساحة الحبوبي، مركز الاعتصامات بمدينة الناصرية.
بتاريخ 09 فبراير/شباط 2020، تم خطف الناشط المدني كرار كريم العميري من وسط ساحة التحرير من قبل جهة مجهولة وتم إطلاق سراحه بتاريخ 13 فبراير/شباط 2020 حيث نشر فيديو يؤكد أنه قد تم تعذيبه من قبل الجهة التي قامت بخطفه. أن العميري هو من سكنة محافظة واسط وقد ساهم في احتجاجات ساحة التحرير منذ إنطلاقها وكان صوتاً لها ينقل مايدور فيها في بثٍ مباشر وكذلك ظهر في مققابلات تلفزيونية يتحدث عن أهداف الحراك الشعبي.
بتاريخ 08 فبراير/شباط 2020، أختطف الناشط المدني عبدالرحمن عبد الصمد البرزنجي وذلك بعد خروجه من ساحة التحرير ببغداد. لقد شارك البرزنجي، وهو من محافظة كركزك و زوجته متوفية ولديه ثلاثة أبناء، بسلمية في الاحتجاجات منذ بدايتها في 01 أكتوبر/تشرين الأول 2019.
بتاريخ 04 يناير/كانون الثاني 2020، جرى خطف المتظاهر السلمي اسامة التميمي وهو يوم ميلاده. لقد قامت القوات الأمنية بحرق عربة التوك التوك التي يمنلكها وأصيب في بطنه مما تطلب تداخلاً جراحياً وبالرغم من ذلك فقد عاد إلى ساحة التحرير مطالباً بحقوقه وحقوق بقية ابناء الشعب. لاتوجد أية معلومات عن مكانه الحالي.
أعلن ناشط المجتمع المدني والمسعف خلدون الصعب على صفحته في الفيسبوك أنه بتاريخ 2/2/2020 حوالي الساعه الثانيه ظهراً، قامت قوات مكافحة الشغب بإعتقاله مؤقتاً بينما كان يقوم بإسعاف وحماية المدنين العابرين، وبضمنهم رجلاً كبيراً في العمر، بين المتظاهرين وقوات الشغب قرب ساحة الخلاني في بغداد، حيث انطلقت قنابل الدخان المسيل للدموع وتقدمت القوات وتعرضت له بالضرب بالعصي وكسرت له شارته التعريفية وصادرت أدواته وأصيب برضوض مختلفة في جسمه و وتمزق بالكاحل وعظم الرجل اليسرى مع كدمات في الجانب الايسر من الظهر ومنطقة الكتف. لقد قام أحد الضباط بالتحقيق معه وإطلاق سراحه وإعادة أدواته بعد فترة وجيزة. الصعب هو مؤسس مجموعة الطوارئ للاغاثة الدولية حيث يقوم بتقديم خدماته الإسعاف الأولي لجميع المصابين من المتظاهرين السلميين وصفحته في الفيسبوك حافلة بالدعم والتأييد للحراك الشعبي وأهدافه.
تضاربت التقارير حول أسباب وفاة ناشطة المجتمع المدني والمسعفة، هدى خضير والبالغة من العمر 23 عاماً، بعد وفاتها في المستشفى بتاريخ 16 يناير/كانون الثاني 2020. لقد ذكرت بعض التقارير انها توفت في منزلها بعد إصابتها بنوبة قلبية في حين ذكرت تقارير اخرى أنه تم اغتيالها برصاص مسلحين مجهولين بعد خروجها من ساحة الإعتصامات بمدينة كربلاء والتي شاركت خضير في احتجاجاتها منذ اليوم الأول وقامت بالعمل فيها كمسعفة لتقديم الدعم للمتظاهرين المصابين. لقد كانت تعمل كممرضة في قسم العناية المركزة بمستشفى الحسين التعليمي بمدينة كربلاء ولم تكن تعاني من أية مشاكل صحية من قبل، مما يجعل الادعاءات بأنها توفيت بنوبة قلبية تبدو مشكوك فيها.
الطلبة الداعم الاساسي للحراك الشعبي
واصل المتظاهرون من الطلبة تظاهراتهم في العاصمة بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية، معلنين رفضهم لرئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة ومطالبتهم بتقديم قتلة أكثر من 600 متظاهراً إلى محاكمة عادلة وإجراء انتخابات مبكرة وإنهاء الفساد المستشري وغيرها من مطاليب الحراك الشعبي. ولقد شارك الآلاف منهم في مظاهرات حاشدة بعد الهجوم الذي وقع على ساحة الاعتصام في النجف وكذلك مستنكرين الاعتدءات المتكررة على المتظاهرين السلميين وبضمنهم الطلبة أنفسهم الذين تعرضوا في ساحة التحرير إلى هجمات بالهراوات والسكاكين خلال الايام القليلة الماضية.
بتاريخ 09 فبراير/شباط 2020، تداول الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يتضمن الاعتداء الذي حصل من قبل شخص مجهول على الصحفية شهد الخليل عندما كانت تغطي تظاهرة طلابية في ساحة التحرير حيث سحب بقوة جهاز هاتفها ورماه بعيداً في مسعىً منه لإيقافها عن البث المباشر للتظاهرة ونقلها إراء الطلبة المشاركين فيها.
وبتاريخ 11 فبراير/شباط 2020، قام ملثمون يدعون انتمائهم لجهة سياسية بتحطيم خيمة جامعة الفارابي في ساحة التحرير وقاموا بطعن طالبة كانت متواجدة في الخيمة بالسكين في كتفها مما استدعى نقلها إلى المستشفى.
يدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان السلطات في العراق إلى أن تُظهر بوضوح أنها لن تتسامح مع أي هجمات عنيفة من جانب الجماعات المسلحة ضد المتظاهرين السلميين وتجمعاتهم في الساحات العامة. يجب أن تكون قوات الأمن مجهزة وتدريبها لوقف أي هجمات على المظاهرات وحماية حياة المواطنين.
كما يدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان السلطات إلى الإفراج عن جميع النشطاء المحتجين والمتظاهرين وسجناء الرأ ي، بالإضافة إلى ضمان قدرة المدافعين عن حقوق الإنسان، بمن فيهم الصحفيون، على أداء عملهم السلمي في بيئة صحية ومحمية خالية من أي نوع من المضايقات بما في ذلك المضايقة القضائية.
مركز الخليج لحقوق الإنسان