تقارير وتحقيقات

العالم الخاص للمرأة الصحراوية في المغرب… لماذا يُحتفل بطلاقها؟

المرأة الصحراوية في المغرب لا تشبه غيرها من نساء المغرب، أو حتى النساء العربيات. فهي لها طقوسها وعاداتها الخاصة وأسلوبها المنفرد في العيش والحياة اليومية

تحظى المرأة الصحراوية بمكانة متميزة في مجتمعها انطلاقاً من الأدوار التي تؤديها في الحياة. فهي باتت تنافس الرجل في ميادين ومجالات ظلت حكراً عليه، علماً أن هناك نساء صحراويات كنّ يرافقن أزواجهن خلال الحروب ويشاركن في القتال.

تقول فاطمتو، طالبة في كلية الحقوق، إنه "على الرغم مما يُشاع عن المجتمع الصحراوي أو الحساني على أنه محافظ، فإنّه يسمح للمرأة الصحراوية بأن تستقبل الضيوف في بيتها حتى لو كانوا رجالاً من دون حضور زوجها.

وتملك الحل والصلح عند أي خلاف بين قبيلتين ويُلتزم بحكمها من دون اللجوء إلى القضاء ووجهاء القبائل في القضايا الكبرى. والخروج عن هذا التقليد يعتبر خروجاً عن العرف الاجتماعي.

 

لا سابقة ولا لاحقة

بالنسبة إلى الطالبة أغلى جيلها، تشترط المرأة الصحراوية على الرجل الراغب في الزواج منها، ألا يكون متزوجاً وألا يتزوج بعدها، ولذلك غالبية عقود الزواج تتضمن عبارة "لا سابقة ولا لاحقة"، كشرط يفرضه أهل العروس يُلغي كلّ زواجٍ سابق ويمنع أي زواجِ لاحق، إضافةً إلى شروط أخرى، من بينها المهر الباهظ أحياناً، وفقاً للمكانة الاجتماعية للمرأة.

 

حفل الزواج 7 أيام و7 ليالٍ

تقول أغلى جيلها، ما زالت حفلات الزواج تمتد في بعض المناطق أسبوعاً كاملاً. وتروي أن العروس ترتدي الزي التقليدي، وهو عبارة عن ملحفة سوداء فوقها شال أبيض.

وتُخضب يديها بالحناء، وتتزين بحليّ من الذهب والأحجار الكريمة. أمّا العريس فيرتدي دراعة (الجلباب التقليدي)، ويطوق عنقه بلثام أسود.

تتابع "تستمر أجواء الاحتفال والغناء والرقص حتى ساعة متأخرة من الليل، وهو الوقت الذي تزف فيه العروس وسط موكب يطلق الزغاريد والأهازيج ويسمى "الترواح"، وعند باب خيمة العرس تدور معركة حامية الوطيس بين فريقي العريس والعروس، ويحاول فريق العريس إدخالها إلى الخيمة لتلحق بالعريس، بينما يحاول الفريق الآخر منعها من ذلك.

 

إخفاء العروس

خلال ليلة الدخلة، ووفقاً لطقوس الزواج التقليدي في الصحراء، تُخفى العروس من جانب صديقاتها في مكان سرّي، ويقوم العريس بالبحث عن زوجته بمعية أصحابه.# ولخداع العريس، تتزين إحدى صديقات العروس وترتدي ملابس شبيهة بملابسها وتختبئ في مكان قريب حيث يعثر عليها بسهولة، وهو ما يسمى "لْمَرْطَ"، (أي الخدعة والتوهيم) في القاموس الشعبي الحسّاني. والغرض من ذلك الحماسة والشعور بالغيرة لدى العريس واختبار حبّه وتعلقه بعروسه.

 

التبلاح… التسمين القسري

"مرا سمينة كلمتها متينة"، (المرأة السمينة تفرض كلمتها)، و"المرا الرقيقة يجي العجاج ويطيرها" (المرأة النحيفة تخفيها الرياح)، هو مثلٌ شائع في المجتمع الصحراوي، يُبرز أن معيار جمال المرأة وجاذبيتها يكمن في جسدٍ ممتلئ ومكتنز.

ولهذا تتلقى المرأة الصحراوية منذ الصغر تربية وعناية خاصة بجسدها، إذ تلجأ الأسر الصحراوية إلى عادةٍ قديمة اسمها "لبلوح" أو "التبلاح"، وهي إطعام البنت قسراً، وفق نظام غدائي محدد كي تكسب كيلوغرامات إضافية وتصبح سمينة بما يناسب مقاييس الأنوثة التي يفضلها الرجل

 ويُطلق على هذه العملية اسم "لبلوح" (من البلح)، وتُقدم لها وجبات من اللبن والتمر، وتشرف على علمية "لبلوح" سيدة خبيرة تسمى "البلاحة"، وتستخدم أساليب عنيفة أحياناً من خلال أداة خشبية تسمى محلياً بـ"أزيار" ذات رأسين تشد بهما أصابع الأرجل للفتاة للضغط عليها وإحداث ألم كبير في حال رفضها تناول الطعام أو شرب حليب الإبل.

 

"التحْراش"… فرحة بالطلاق

في الوقت الذي تَعتبر فيه بعض المجتمعات الطلاقَ من أقسى التجارب التي قد تواجهها المرأة بسبب نظرة المجتمع لها، تتجاوز المجتمعات الصحراوية هذه النقطة، وتُعلن فرحة الطلاق ضمن طقوسٍ احتفالية تسمى "التحْراش" أو "التعْراظ" باللغة المحلية. فالمرأة الصحراوية بعد طلاقها تزدادُ قيمةً ودلالاً.

وتقول فاطمتو الطلاق ليس شؤماً أو قراراً حزيناً، بل على العكس تُستقبل المرأة الصحراوية يوم طلاقها بالطبول في بيت أهلها، وتُنحر لها الإبل ويُفسّر هذا التقليد (الاحتفال بالطلاق) على أنه نكايةً في الزوج السابق بعد تجربة انفصال صعبة".

وتعتبر أغلى جيلها أن هذا التقليد يُسهل زواج المطلقة مجدداً، إذ يمكن للرجل أن يلتقي بها لأنه مسموح لها بالخروج والتنقل بين الخيم الأخرى، والخروج مع صديقاتها لقراءة الشعر النسائي الذي يسمى "التبراع".

 

"التبراع"… غزل النساء بالرجال

شعر "التبراع"، هو فن الغزل الذي برعت به النساء الصحراويات غزلاً في الرجال، وذلك في أجواء من السرية والكتمان، إذ جرت العادة، في مناسبات معينة، أن تجتمع النساء الصحراويات من الجيل نفسه، بعيداً من أعين كبار السن داخل خيمة سوداء، فتبدأ الواحدة منهن إنشاد الشعر في موضوع معين، قد يعنيها وقد يكون عامّاً، ويكون داخل إطار الغزل، فتنطلق الواحدة تلو الأخرى في "التَّبَرُّعْ". ويستمر الأمر على شكل محاورة "تبراعية".

ووفق الباحث إبراهيم الحيسن، "يتقاطع شعر التبراع إلى حدٍّ ما مع الشعر الشفهي لنساء البشتون الأفغانيات المعروف باسم اللانداي landay، والكلمة تعني حرفياً الوجيز والمقتضب، وهو نصٌّ شعري مكثف وقصير جداً، يجد هويته الجمالية في الإيجاز والاقتضاب".

The Independent

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى