الديوانية تفقد آخر “مندائييها”..
تلقى أبناء مدينة الديوانية خبرا كالصاعقة الخميس الماضي، بعد قرار أحد أعرق عوائلها من أتباع الديانة المندائية، الهجرة الى خارج البلاد، وبذلك ستخسر المدينة أحد أهم مكوناتها التي لم يتبق منها إلا عشرات العوائل فقط.
خالد ناجي المعروف بـ"أبو رفيف" والذي يشغل موقع معاون مدير عام الصابئة المندائيين في الديوانية، قرر الهجرة مع أسرته بعد يأسه من تحقيق أحلام أبناء طائفته بالمساواة والعدالة التي كفلها الدستور لجميع المواطنين، لينزل قراره كالصاعقة على أبناء المدينة التي شاركهم فيها احزانهم وافراحهم طيلة حياته الممتدة الى اكثر من 70 عاما.
ناجي ودع ولده قبل ثلاثة أعوام، بعد عجزه عن الحصول على وظيفة أسوة باقرانه من الخريجين، ليهاجر الى السويد مع باقي أبناء الصابئة المندائيين، رغبة في بلد يضمن لهم كرامة العيش والحرية في أداء الطقوس الدينية.
يقول أبو رفيف : إن "أعداد الصابئة المندائيين في عموم العراق انخفضت من 150 ألف مواطن في العام 2003، لتصل اليوم الى نحو 10 آلاف مواطن فقط، من أبناء تلك الديانة التي يعد أبناؤها من السكان الأصليين للعراق، والتي انحسرت بشكل كبير بسبب التهميش السياسي والحرمان من أبسط حقوق المواطنة".
ويوضح ناجي، أن "إفراغ العراق من مكوناته، يعني محو تاريخه وحضاراته، فنحن والمسيحيون واليهود السامريون مهد فجر الحضارة العراقية"، مشيرا الى أن "عدم شمول أبنائنا بالتعيينات وعدم إنجاز معبدنا منذ العام 2010، حتى الآن، والذي من المفترض أن نمارس فيه عبادتنا وطقوسنا، فضلا عن التهميش الحكومي الواضح في التمثيل السياسي، كلها أسباب دفعت أبناءنا للهجرة خارج البلد، بحثا عن وطن يضمن لنا الحرية وكرامة العيش".
ويضيف مدير وقف الصابئة المندائيين في الديوانية، أن "إدارة الوقف قدمت معاملة لتمليك قطعة ارض بمساحة 5 دوانم، خارج حدود البلدية، تابعة لوزارة المالية، في العام 2009، واستكملنا موافقات 13 دائرة معنية، بينها النفط والسياحة والآثار والبيئة وغيرها، ثم أبلغتنا المديرية العامة لعقارات المناطق الجنوبية والوسطى وهي إحدى تشكيلات وزارة المالية، بعد ستة أعوام بفقدان المعاملة، وأن علينا إعادة جمع الوثائق من الدوائر ذات العلاقة مرة أخرى، ونفذنا ذلك لكن حتى الان لم يفض عن شيء على أرض الواقع".
ويتساءل ناجي، "هل يعقل أن نخدم الوطن وأبناء شعبنا، وفي آخر المطاف نحرم من الحصول على قطعة أرض ندفن فيها موتانا في المدن التي نسكنها، بدلا من تحمل مخاطر الدفن في أبو غريب، وحرمان الموتى من الطقوس الخاصة، وتعرض قبورنا للنبش والسرقة، أيعقل أن يكون سكراب السيارات والحديد المتهالك أعز على الحكومات من مكون بات مهددا بالانقراض، كيف سنقنع المهاجرين من أبنائنا بالعودة الى الوطن".
وتصف أم رفيف، حزنها وحيرتها بالقول أنا "بين مرّين، هجرة الوطن أو العيش اخر ايام العمر بين الاهل اللذين طال فراقهم". وتقول في حديثها لـ"العالم الجديد"، إن "النسيج الاجتماعي بين أبناء المحافظة راسخ منذ القدم، ويتميز بالحب والوئام والسلام، لكن فقداننا لأبسط حقوق المواطنة دفع أبناءنا الى الهجرة، فكيف نموت بعيدا عنهم، هذا ما ابتغاه الساسة بتمزيق وحدة الشعب بالتهميش والاقصاء وتهجير المكونات".
م/ تحسين الزركاني ـ موقع العالم الجديد