البيئة والمناختقارير وتحقيقات

التصحر يهدد ما تبقى من أراضي العراق الزراعية

21 يونيو 2024

تقلصت المساحات الخضراء في العراق من نحو 50 إلى 17 بالمائة نتيجة التغيرات المناخية وتقصير المواطنين والجهات المسؤولة في توفير المساحات الخضراء، وفق مختصين، مؤكدين أن المساحات الخضراء تعتبر حاجة ملحّة وليست ترفاً كما تراها بعض الدوائر والمؤسسات الحكومية التي تتبع بما يسمى عسكرياً بسياسة “الأرض المحروقة”، بحسب تعبيرهم.

وأدى تزايد النشاط العمراني على حساب المساحات الخضراء في العراق إلى اختفاء أراضٍ زراعية وتحويلها إلى سكنية وتجارية، ما انعكس سلباً على البيئة وازداد من تلوث الهواء والتغير المناخي، في وقت تشهد البلاد درجات الحرارة تصل إلى خمسين درجة مئوية في ظل انحسار المساحات الخضراء وتوقعات بتنامي ظاهرة التصحر خلال الفترة المقبلة.

وتؤكد وزارة الزراعة العراقية، أن البلاد بحاجة إلى زراعة أكثر من 15 مليار شجرة لتأمين غطاء نباتي يقضي على التصحر، فيما يرى مختصون أن إعادة إحياء وتأهيل الغابات وزراعة المساحات بهذه الأعداد من الأشجار خلال السنوات المقبلة يمكن أن يُعيد جزءاً من الهواء النقي إلى الأجواء العراقية، بعد تلوّثها بالنفايات الضارة من العوادم والمصانع وغيرها.

ويحتل العراق المرتبة الثانية بأكثر دول العالم تلوثاً، فيما جاءت العاصمة بغداد بالمرتبة 13 من بين المدن العالمية خلال عام 2022، وذلك وفق مسح عالمي سنوي أجرته شركة سويسرية لتصنيع أجهزة تنقية الهواء.

ويضرب التغير المناخي العراق بقوة خلال الأعوام القليلة الماضية وبصورة غير معهودة، حيث يعد خامس الدول الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية العالمية وفق وزارة البيئة العراقية والأمم المتحدة.

ويفقد العراق سنوياً 100 ألف دونم (الدونم 1000م مربع)، جراء التصحر، كما أن أزمة المياه تسببت بانخفاض الأراضي الزراعية إلى 50 في المائة وفق تصريحات رسمية.

ووفقاً لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” التابعة للأمم المتحدة، فقد باتت مساحات الغابات في العراق لا تشكل سوى 8250 كيلومتراً مربعاً، أي ما نسبته 2% من إجمالي مساحة البلاد.

إيقاف الاستثمار العمراني داخل بغداد

وفي هذا السياق، يقول عضو مجلس محافظة بغداد، يحيى الخزعلي، إن “هناك مساعٍ لتحويل مناطق في بغداد إلى مساحات خضراء، وتم تقديم مقترح لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني بإيقاف البناء والاستثمار داخل العاصمة للحد من الاكتظاظ السكاني والاختناق في ظل كثرة البنايات العمودية، وفسح المجال أمام إنشاء مناطق خضراء، وأن السوداني وافق على هذا المقترح”.

وينوّه الخزعلي إلى أن “المناطق التي فيها مساحات خضراء تعاني من وجود تجاوزات وأمور أخرى، لكن السوداني عازم على معالجة هذه الأماكن وتحويلها إلى مساحات خضراء، منها الشعبة الخامسة ومعسكر الرشيد وغيرها”.

وكانت أمانة بغداد أعلنت في أيلول 2023، عن خطتها الزراعية المتضمنة استحداث (108) حدائق وزراعة أكثر من 5 ملايين شتلة و(375) ألف شجرة وشجيرة لزيادة المسطحات الخضراء في العاصمة.

وأكدت الأمانة في بيان ورد لوكالة شفق نيوز، أنها “مستمرة بتنفيذ خططها بزيادة المساحات الخضراء والأماكن الترفيهية وتأهيل الحدائق والمتنزهات تنفيذاً لتوجيهات رئيس مجلس الوزراء والاهتمام بهذه الفعاليات خدمة لأهالي العاصمة”.

مستقبل التغيرات المناخية “مرعب”

بدوره، يقول عضو مرصد “العراق الأخضر” (منظمة مدنية معنية بحماية البيئة) عمر عبد اللطيف، إن “المساحات الخضراء تقلصت من نحو 50 إلى 17 بالمائة بسبب التغيرات المناخية، أبرزها ندرة المياه وعدم اهتمام المواطنين بالزراعة وارتفاع درجات الحرارة، إلى جانب وجود تقصير واضح في توفير المساحات الخضراء من قبل المواطنين والجهات المسؤولة”.

ويوضح عبد اللطيف أن “العراق بحاجة إلى مساحات خضراء، وأن توفير مساحات خضراء يستغرق من عام إلى عامين، لذلك يجب المباشرة بها مبكراً لأن المستقبل مرعب من ناحية التغيرات المناخية، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة والتلوث”.

ويتابع، أن “في هذا العام يلاحظ ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير طبيعي ما يتطلب إعادة النظر بكل الخطط وجعل المساحات الخضراء هي الأساس لإنعاش الأجواء ومزاج العائلة العراقية”.

جدير بالذكر أن المساحات الخضراء تعمل على تحسين جودة الهواء والصحة العامة والترفيه والترويح عن النفس، كما أنها تساعد على تخفيض درجات الحرارة وامتصاص الملوّثات، وكذلك الحماية من الأشعة فوق البنفسجية وتقليل حدة الضوضاء والشعور بالاكتئاب.

“حاجة ملحّة وليست ترفاً”

من جهته، يعزو الناشط البيئي، فلاح حسن، غياب المساحات الخضراء في المدن إلى أن “بعض الدوائر والمؤسسات الحكومية العراقية تتبع بما يسمى عسكرياً بسياسة (الأرض المحروقة) حيث تعتبر أن زراعة الأشجار ترفاً وجمالية وليست حاجة ملحّة، ومدى ما تغير هذا المبدأ ستكون هناك مساحات خضراء في المدن وستحترم المشاريع وجود الأشجار وتحافظ عليها وتضع نسبة من المساحة العامة للتشجير”.

ويؤكد حسن أن “في دول العالم هناك قوانين تمنع تغول الأسمنت على المساحات الخضراء، لأن المباني تحتفظ بالحرارة في ظل غياب الغطاء النباتي، لذلك تعتبر المساحات الخضراء حاجة ملحّة وليست ترفاً كما تراها بعض الدوائر والمؤسسات الحكومية”.

ولهذه الفوائد، ترتفع الدعوات المطالبة من الحكومة العراقية ووزارة الزراعة والدوائر المعنية بالاهتمام بعمليات التشجير وزيادة المساحات الخضراء، فضلاً عن دعم المبادرات الأهلية وعدم الاعتماد على الغابات القديمة، بل العمل على تكوين غابات جديدة وزراعتها بأشجار ملائمة لظروف البلاد الحالية.

*شفق نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى