أحزاب متنفذة تقف في وجه قانون العنف الأسري وترفض حماية المرأة والطفل
أنطلاقاً من التزامات العراق الدولية في الانضمام الى الاتفاقيات و المعاهدات الدولية الخاصة بمناهضة العنف الأسري وحماية المرأة والطفل و التزامات الحكومة الاتحادية في بغداد باحترام حقوق الإنسان، وجد مجلس النواب ضرورة تشريع قانون يكون ضماناً للأسرة العراقية.
قدم مجلس البرلمان العراقي مسودة لقانون العنف الأسري في عام 2015، الا أن اعتراضات بعض الكتل السياسية العراقية على عدد من فقرات القانون أجل التصويت عليه وطالبوا بإدخال تعديلات جوهرية قبل تبني القانون وتمريره.
كما يؤكد القانون أن الأسرة المقصود بها في هذا القانون تتكون من الزوج والزوجة والأبناء والأحفاد وأبناء أحد الزوجين والإخوة والأخوات ووالدي الزوجين أو أحدهما، والأشخاص المشمولين بالوصاية، وأي حالة أخرى مشابهة لها. ويلحظ نصّ القانون أنه من حق الشخص الذي تعرض لأي من الحالات المنصوص عليها (الضرب الجسدي أو التخويف أو هضم الحقوق وأي حالة إيذاء ثانية) الاتصال بما سيتم استحداثه وفقاً للقانون وهو قسم الشرطة الأسرية، وتكون الاستجابة فورية، ويتم توفير الحماية والرعاية ومنع الأذى عنه وفقاً لتفصيلات نص عليها القانون ذاته. كما ينص على إنشاء دور إيواء ومساعدة للمعنفين في أسرهم، ومحكمة مختصة للنظر بقضاياهم.
ورغم أن إقرار مشروع القانون أمر تنتظره شرائح واسعة من العراقيين، وتعتبر أنه سيحد من ظاهرة العنف الأسري خاصة ضد المرأة والطفل، إلا أن أحزاباً في البرلمان قدمت اعتراضات ولوحت برفض التصويت عليه معللة ذلك بأنه يمنع التأديب والتربية في الأسرة، ويعيق فرص الإصلاح الذاتي في الأسرة نفسها، ويساعد على تفككها إذا تدخل طرف ثالث في المشكلة ، ومن هذه الجهات التي أبدت اعتراضها هي أحزاب ائتلاف الفتح، وائتلاف دولة القانون، وحزب الفضيلة وكل من هذه التكتلات والاحزاب السياسية وضعت حججاً ومبررات وصفتها بانها تحافظ على نسيج المجتمع العراقي ، حيث قالت كتلة النهج الوطني النيابية التي يرأسها النائب عمار طعمة ان مشروع قانون العنف الاسري يشمـل مضامين تنذر بعواقب خطيرة على استقرار العائلة المسلمة العراقية ويحاول استنساخ تجارب غربية ونقلها لواقعنا الاجتماعي.
وقال عمار الذي ينتمي الى حزب الفضيلة ، إن" مروجي أفكار القانون هذه يستخدمون عناوين مضللة للرأي العام ، فهم يرفعون عنوان مناهضة العنف ، ويقصدون بالواقع استهداف دور الوالدين في التربية والرعاية والولاية على أولادهم القاصرين "، مبيناً إنه "حسب هذا القانون فأن أي خلاف أو إشكال يقع بين أفراد العائلة يتحول الى موضوع في المحكمة ".
واعترض طعمـة على وجود مراكز ايواء تودع فيها البنات الشابات والأولاد الشباب بمبرر حمايتهم من تعنيف الوالدين ، مشيراً الى أن " هذه المراكز ليست أمنة وتعرض أخلاق الأولاد الى المخاطر والابتزاز وتحرمهم من أجواء الأسرة والتعليم وتجبرهم على العيش في أجواء الغربة وتحت مخاطر التحرش والاستغلال والضغط ".
من جانبها أكدت عضو مجلس النواب هدى سجاد، أهمية تشريع قانون الحماية من العنف الأسري لمعالجة قضايا العنف الاسري وآثاره، فيما أشارت الى اهمية تشريع هذا القانون للحد من التعنيف الذي يتعرض له أفراد الأسر ومثاله ماحصل للطفلة رهف التي أشيع حدثها في وسائل الإعلام قبل أيام والآف القضايا المشابهة.
وقالت سجاد في بيان، إن "قضايا العنف الأسري لايمكن أن توقف وتعالج دون أن يشرع قانون خاص بذلك، فإن قضية رهف التي اشيعت حادثتها عبر وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة والتي فارقت الحياة نتيجة لتعرضها للضرب من قبل زوجة ابيها وما يشابه هذه القضايا من آلاف الحالات لايمكن أن توقف وتعالج دون أن يقوم مجلس النواب العراقي بدوره من خلال تشريع قانون الحماية من العنف الأسري".
وأضافت، إننا "كأعضاء في مجلس النواب نؤكد من جديد وندعم تشريع هذا القانون المذكور بل اننا نجد من الضرورة تشريعه خصوصاً بعد أن بدأ الإعلام يكشف لنا وللرأي العام كوارث وحالات مؤلمة يجب أن نمارس دورنا ومسؤوليتنا بايقافها من خلال فرض القانون وايجاد تشريع مناسب".
وبحسب موقع "السلطة القضائية الإتحادية"، فقد أكد عدد من القضاة اتساع ظاهرة العنف الأسري في البلاد، مشيرين إلى أن 90 في المئة الضحايا في الدعاوى المعروضة هن من النساء.
وحيال ذلك تشكلت "محكمة العنف الأسري"، لكنها وعلى الرغم من أهميتها، حيث إن الغرض من تأسيس هذه المحكمة "هو المحافظة على العلاقات والروابط الاجتماعية وحماية الأسرة والطفل من العنف"، إلا أنها ظلت من دون قانون خاص بها، وتفتقر إلى أماكن احتجاز للموقوفين على خلفية ارتكابهم تلك الجرائم، فضلاً عن عدم وجود قانون خاص للعنف الأسري، إلى جانب حضور نصوص تتعارض مع مفهوم المحكمة منها حق الزوج بـ"تأديب زوجته".
المحكمة، تتكون من قاضي تحقيق ونائب مدعٍ عام وقاض، فضلاً عن ضمها قسم حماية الأسرة والطفل التابع لوزارة الداخلية والذي يضم عدداً من الضابطات.
وكانت وزارة الداخلية قد استحدثت العام 2009 "مديرية حماية الأسرة والطفل من العنف"، انسجاماً مع حقوق الأسرة وخاصة المرأة والطفل التي كفلها الدستور العراقي لسـنة 2005 لكل الأفراد في المواد (14، 15) وللفرد والأسرة في المواد (29، 30)، والتي "تعتبر الأسرة أساس المجتمع وتحافظ الدولة على كيانها وقيمتها الدينية والأخلاقية"، وتعطي الفرد الحق في الحياة والأمن والحرية وتمنع كافة أشكال العنف والتعسف والتمييز، وتلتزم بالمعاهدات والاتفاقات الدولية التي صادق عليها العراق وتتعلق بالأسرة والمرأة والطفل.
بالمقابل، اعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن "وجود مراكز إيواء حكومية أهمية خاصة نظرا لأن منظمات حقوق المرأة غير الحكومية – التي توفر هذه الملاجئ – كثيرا ما عانت من اعتداءات وتهديدات من معتدين، وواجهت عداوة بعض المسؤولين الحكوميين".
وقدمت منظمات المجتمع المدني عدداً من المقترحات للوصول الى صيغة مناسبة في قانون العنف الأسري لتمريره في البرلمان العراقي، ومن بينها:
•فرض واجبات محددة على الشرطة العامة وعناصر الشرطة المتخصصة المعنية بالتعامل مع العنف الأسري. تلعب الشرطة دوراً هاماً في التعامل مع العنف الأسري ويمكن أن تساعد على تحديد قدرة الضحية على السعي وراء الانتصاف في النظام القضائي.
• تحديد مختلف أنواع الأدلة التي يمكن الأخذ بها في قضايا العنف الأسري. عادة ما تحصل الاعتداءات في البيوت وراء أبواب مغلقة، حيث لا يوجد عادة شهود سوى الأطفال، الذين لا يمكنهم الشهادة في أحيان كثيرة.
• التمييز بين قرارات الحماية العاجلة وقرارات الحماية الأطول أجلاً، بما يشمل توضيح أن القرارات العاجلة قد تصدر في غياب بعض الأطراف بناء على شهادة الضحية، بينما يمكن استصدار قرارات الحماية الأطول أجلاً في جلسات كاملة وبعد استعراض الأدلة.
التزامات العراق الدولية
وعلى العراق التزامات تتصل بالقانون الدولي لحقوق الإنسان بعد مصادقته على الاتفاقية في عام 1986، بمنع الانتهاكات التي تحصل داخل الاسرة والتعامل معها وهناك عدة هيئات تعاهدية دولية، منها "لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، المُشرفة على اتفاقية "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" (سيداو)، طالبت الدول الأطراف بإصدار تشريعات تخص العنف ضد المرأة. صادق العراق عليها .
م/ المدى